وهل تلد النار.. الا الرماد..؟
محمد عبد الله برقاوي..
bargawibargawi@yahoo.com
كثيرا ما يقع الخلط في فهم الناس لانتقادنا
( الحركة الاسلامية ) بالمعني السياسي لتوجهات التنظيم ،و بين عدم التعرض للأهداف العقائدية التي قامت عليها كتنظيم دعوي في مبتدأ أمرها، يهدف الى تبصير النا س بتكاليفهم الآسلامية وواجباتهم الشرعية ، سعيا لقيادة المجتمع في محجة الفضائل البيضاء التي دعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم لترسيخ مكارم الأخلاق بين المسلمين ليس في حد ذاتهم ، وانما اندياحا الى اجتذاب الأمم الأخرى نحو تلك الفضائل والمكارم ومن ثم ينساقون لطريق الحق وفق القناعات الذاتية ، التي هي ما يؤطر بحق لأقوي السمات الايمانية في نفس الفرد باعتبار ايمانه واسلامه ، عقلانيا ، أكثر منه ارثا تلقائيا ، دون امعان في المضامين أو يكون من قبيل المراءة الاجتماعية لممارسات يرتادها المرء دون أن يجتهد في تفقيه نفسه ، مستسلما لواقع خلق عليه ، وليس لديه حتي رغبة التفكر في ابعاد الخلق من حوله ليدرك عظمة الخالق ، أو يتلمس تفاصيل فهمه للرسالة المحمدية ، ليفعّل تجديد وعيه من حين لاخر ، بلوغا الى أنها رسالة كل زمان ومكان ، متي ما كان أولى الأمر من علماء الفقه والتشريع ، وتفسير الاعجاز القرأني والتحقق من ما جاء في السنة النبوية حديثا وسلوكا، على درجة من المواكبة التي تؤهلهم لتحريك الناس من الوقوف عند محطة المفاهيم الخاطئة للدين التي يؤسس لها التزمت والتنطع والانحباس في زاوية الاقصاء المعتمة التي اضرت بالعقيدة وعقد ت حاجب الريبة عند كثير من الأمم المعاصرة حيال أهلها!
لينطلق أولئك العلماء بالناس وقيادتهم نحو الربط بين الدين كعقيدة سمحاء وبين الدنيا في تنوع ضروبها العلمية والانسانية وخلافها!
ومن هنا كانت أهمية ظهور الحركة الاسلامية في بداياتها وفي مراحلها اللاحقة التجديدية لتضطلع بذلك الدور تدرجا الى خلق المجتمع الفاضل الذي يكون في مستوي المقدرة على التمييز وصولا الى الحكم بالشرع الحنيف ، متي ما كانت عناصر الوصول متوفرة في بلاد المسلمين ، وليس تخطيا لأهمية وجودها ، وقفزا فوق اولويات المطالب واساسياتها ، استغلالا للعاطفة المسلمة ، تحقيقا لمصالح فئة بعينها أدى تغولها على مراكز السلطة ومكامن المال والانحياز للموالين واستبعادا للمؤهلين ، الى شق مجتمع المسلمين ، الى طبقة معدمة تفتقر الى كل شيء وهي تملك الحق أكثر من غيرها في الانتفاع بمقدرات الوطن وعائد انتاجها وطبقة لا أحد ينكر عليها حقا ولكنها تتحدى المجتمع استقواءا بالدين لتستأثر بقوة السلطان على كل شيء !
فيما ذابت الطبقة الوسطي التي كانت تشكل السواد الأعظم في المجتمع ، أما سقوطا الى أدني لضعف
سواعد ها في حلبة الصراع الحياتي ، واما التصاق جزء منها مغنطسيا بحافة الطبقة الأعلى !
اذن ولوج الحركة الاسلامية الى معترك السياسة ولو بمسميات مختلفة ، وعلى تباين درجات التشدد أو المرونة من مكان الى آخر ووفق تعاقب المراحل ، هو ما أفرزشرائح ، تسربلت بثوبها للوثوب الى سدة الحكم عنوة ، متجاوزة اكتمال أهليتها لبلوغ ذلك الهدف بالشورى التي يدعو لها الاسلام ، ولم تكن ايضا صبورة لبلوغه من خلال الديمقراطية الحرة السائدة في العالم بعد أن تظاهرت بقبولها كخط سباق للانطلاق نحو الهدف ، وبوقود التخويل الشعبي ، كمبدا لتداول السلطة !
الآن المؤشرات كلها تبرق نحو وضوح الرؤية باتجاه الحركة الاسلامية السياسية التي لا يكاد يستثني من ركوب قاربها فصيل بعينه سعيا وراء مرافيء الحكم ، سواء تلك التي ارتضت ظاهريا الخيار الديمقراطي الليبرالي أو التي سعت للحكم عبر الدبابات بالانقلاب على ولاة الأمر ، أو التي رفعت رأية الجهاد بالسنان وصولا الى مركز السلطان !
و الآن وسط كل ذلك الزخم والتدافع نحو السلطة !
من الحركات الاسلامية ربما لم يتبقي الا شريحة ( أهل الدعوة ) الذين يتبعون أسلوب التبليغ ، في حياء وتواضع من خلال المساجد ، والسفر الي بعضهم تبادلا للزيارات ، في نأي واضح عن العمل السياسي!
ونخلص الى القول .. أن الحركة الاسلامية في شكلها السائد واقعيا ليست هي تلك التي قامت لتأصيل المفاهيم الدينية والشرعية والفقهية ، وايا كان شعارها ، فهي لا تعدو كونها كيانا سياسيا يجوز نقده وتشريح فكره ومحاكمته أمام التاريخ ، طالما انها تنافس ببرامجها ، بغض النظر عن بريق الشعارات وتغليفها بما يسحر الناس ، مسا على وجدانهم العقدي ، وتمسحا في حلمهم بعدالة الاسلام ، الذي يظل له ذات المكانة في نفوس كل المسلمين ، ايا كان من يحكمهم!
واذا كنا نوجه نصال النقد نحو تجربة الانقاذ السودانية ، أو نحذر من ركوب الأخوان المسلمين في مصر وبقاع أخرى، على ذريعة الديمقراطية ، دون قناعات بها في حد ذاتها ، وانما لاتخاذها ، وسيلة توصل الى غاية ، ومن ثم ترمى في وجه الناخب ، كحذا ء انتهت مهمته ، فاننا بالمقابل نعتقد ان تلك الأحزاب مع تلون مسمياتها فهي ، وليد شرعي للحركة الاسلامية ، في شكلها السياسي الذي لا يعصمها من خطأ التجربة وفشلها وبالتالى ، تسقط قداستها ، باعتبارها رمادا من نار الحركة الاسلامية السياسية وليس دخانا فحسب من قبس شموع بداياتها التي باتت كومة في صحن ليلها يقتات منه اصحاب الغرض السلطوي الذين اختلفت عناونيهم تبعا للجغرافيا وطبيعة تركيبة الديمغرافيا هنا وهناك !
ولكن يبقى الاسلام في حد ذاته نورا في قلوب الناس ، لذا قلنا أفصلوه عن الدولة والسياسة درءا للشبهات ..!
وشتان مابين المفهومين في التناول..يا هدانا وأياكم..
الله المستعان ..
وهو من وراء القصد..
نشر بتاريخ 15-01-2012