الذين قالوا شكرا .. لكيزان السودان !
محمد عبد الله برقاوي..
bargawibargawi@yahoo.com
في تبريرهم كما يبدو لقرارهم الحاسم بعدم اقرار الشريعة الاسلامية كمصدر للدستور في تونس ، قال جماعة النهضة صاحبة الأغلبية البرلمانية وعلى لسان عرابهم الشيخ الغنوشي و اركان حربه ممن انبروا للدفاع عن القرار رغم الهجمة التي يواجهونها من بقية الفعاليات الاسلامية المتشددة الأخرى والتي تشير المعطيات الى أن جماعة النهضة استعدوا لها جيدا !
قالوا أنهم وجدوا أن سياسة التدرج في التطبيق بتهيئة المجتمع ولو استغرق ذلك منهم عشر أو يزيد من السنوات عبر الدعوة وترشيد الناس وتثبيت العدالة بينهم في توزيع فرص الحياة الكريمة وخلق الاستقرار المبني على كرامة الفرد و أمنه على ماله وعرضه وأرضه، هي قيم اذا ما تحققت فانها تكون العتبات الأقوي التي تؤسس لتطبيق الشريعة التي لايرونها فقط من منظور الحدود والعقوبات كما يراها المتعجلون على تطبيقها الفوقي ، مما انعكس سلبا على صورة المسلمين والاسلام ذاته فأخذت ذريعة لوصمه بعدم مراعاة حقوق الانسان من وجهة نظر كثير من البلاد والعباد !
وطالما أن الدستور المدني الحالى مستند في كثير من متونه الى المرجعية الاسلامية ولا يتعارض معها روحا ، بل انهم يرون أن الشريعة تمثل أحكاما فقهية عمومية يمكن أن تتنزل في مجتمع المسلمين و حياتهم و ليس يرون فيها تفاصيل من حيث المنظور السياسي لشكل الحكم والدولة واختيار الحاكم وممثلي المسلمين وغيرهم من مكوناتها الآخرى في مؤسسات التشريع ، وان نظام البيعة في الخلافة والشورى على النسق المتبع في سالف الزمان ، مختلف عن نهج الديمقراطية التعددية المبني على الانتخاب في عصرنا الحديث .. على حد قول بعض المتداخلين !
بل أن بعض ا المتحدثين في ندوة نقطة حوار التي عقدتها فضائية البي بي سي التلفزيونية على الهواء بين مدافعي النهضة و مهاجمي قرارها والمشاركين من شتي الأطياف الأخرى المختلفة ، اشار البعض صراحة الى خطل تجربة التطبيق الخاطيء ابان ديكتاتورية نميري كمثال وسابقة واستغلال الشريعة والدين لاغراض سياسية اقصائية في ديكتاتورية الانقاذ كنموذج أخر والاستمرار في ذلك النهج حتي ركوبا على ديمقراطية ناقصة مشوهة فصلت على مقاس استمرارية حكم الاسلاميين وان كانوا قد رموا ببعض العظام الجافة من اللحم لبعض جائعي السلطة!
الان مصر تدخل في منعطف دقيق وحاد من ذات المنطلق نتيجة قصور فهم الاسلاميين للديمقراطية التي أعطتهم أغلبية برلمانية أرادوا من خلالها التاسيس لحكم ديني من طرف واحد بديلا لحكم الحزب الواحد والرجل الأوحد الذي ذهب تحت أرجل ثورة يناير !
وهم بحكم عدم تجاربهم السياسية كحكام أتوا الى البرلمان منتشين بنصرهم دون أن يكونوا على علم بالفرق بين كيفية التأسيس للدستور الدائم الذي هو بمثابة مجرى النهر الثابت في مساحات تاريخ الوطن كله ، وبين الأغلبية العارضة القابلة للتبدل مع جغرافيا ومناخات الديمقراطية والتي لا يعدو التفويض الدوري فيها لاى حزب أو جماعة ، كونه لتسيير تفاصيل السياسة والاقتصاد والامن والدفاع الخ، في مرحلة قابلة لسحب الثقة منهم بعدها ، ليظل الدستور قائما كمبادىء وطنية عامة دائمة لا تتبدل مع حاكم أو نهج سياسي بعينه !
و الا لكان لرجب اوردغان صاحب الاغلبية البرلمانية في تركيا الحق في قلب الطاولة على بقية الفعاليات الأخرى ، مستندا الى انجازاته العظمي في المجالات السياسية والاقتصادية والحكمة في قياد أمر السياسة الخارجية لبلاده !
أو حق للحزب الجمهوري في أمريكا أو حزب العمال في بريطانيا أن يبدلوا في دساتير بلدانهم في كل مرة يحصلون فيها على تفويض الأمة رئاسيا أو تشريعيا !
أو هب أن حزبا أو تكتلا قبطيا في مصر توحد و استحوذ على أغلبية برلمانية اكتسح فيها أغلبية الناخبين المسلمين في حالة دخولهم الانتخابات وهم ليسوا على قلب رجل واحد، سواء كانوا علمانيين او اسلاميين ، هل يمكن منعه من أعادة نظام هيمنة الكنيسة ومحاكم التفتيش طالما أنك كحزب اسلامي تعطي نفسك ذات الحق بحكم أغلبيتك البرلمانية لاقصاء كافة من هم ضدك من الناخبين ، اذ في مجموعهم من حيث المنطق يشكلون الاغلبية الجماهيرية خارج قبة البرلمان ، وهنا يكمن مربط فرس وجوب التوافق على الدستور وليس فرضه بالأغلبية الميكانيكية البرلمانية !
ولدينا مثل حي في ذلك على مستوى عصرنا الحديث ففي بريطانيا التي ارتضينا تقليد ديمقراطيتها اسلاميين كنا أم علمانيين ، نجد أن الملكية الدستورية ليس بمنصوص عليها كتابة في الدستور وانما هي قائمة على وثيقة عرفية توافقية مشت عليها تلك البلاد ولم تنقطع تلك الملكية الا لمدة عشر سنوات فقط من تاريخ البلاد ثم عادت على ذات التوافق العرفي!
الآن بات مسمار جحا الذى انغرس في جدار وطننا حتي فلقه الى شطرين قابلين للزيادة ، مثلا سيئا يتبرأ منه حتي الأقربون في بلاد كان اسلاميوها يعتبرونه في غفلة منهم مثالا فريدا لطالما حجوا الى كعبته المزيفة ، لكن الأيام أثبتت لهم ، عكس ذلك فنفروا من خوض التجربة في ذلك الشكل حينما باتوا عند محك المسئؤلية التاريخية والاخلاقية والدينية والوطنية، كأنهم هم وشعوبهم ، يلهجون بالشكر
( لكيزان السودان ) الذين أخرجوهم من المأزق بفشل التجربة ، فيما حمّلوا شعب السودان عبئهم الثقيل ، وباسم ماذا ؟ بكل أسف باسم الدين الحنيف ، الذي أنزله الحكيم الرحيم مبرئا من كل عيب، فدنسوه هم في وحل السياسة والمصالح ،يا هداهم الله مثلما فتح بصيرة غيرهم بالتروي قبل الا قدام على تطبيق ربما يأتي شائنا ، فيضع عربة ديكتاتورية الحكم باسم الشريعة أمام حصان العدالة ، فتختل عندهم المعادلة ، مثلما أنقلبت عندنا ، وتبحث عن مصلح لا يبدو مشهودا في الأفق القريب..
فالله المستعان على تقر يب البعيد ..
وهو من وراء القصد..