إذا صح السيناريو الذي يتصوره المحلل المخضرم محمد حسنين هيكل لمستقبل الوضع العربي، انطلاقاً من رؤيته لآفاق التطورات الجارية في مصر والعالم العربي، ومن معطيات ومصادر غربية موثوقة، إما على هيئة مراكز أبحاث ورسم سيناريوهات، وإما على هيئة صُنّاع قرار، فإنه يمكن القول إن الدول العربية ذاهبة نحو “الأخونة”، أي بمعنى هيمنة الإسلام السياسي، والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين خاصة، على أركانها، وهذا يؤشر إلى أفول مرحلة “عسكرة” هذه الدول، بمعنى هيمنة العسكر عليها . وإذا ما استثنينا الحالة الخاصة لدول مجلس التعاون الخليجي، يمكننا القول إن هذا أمر طبع الحياة السياسية في العالم العربي مشرقاً ومغرباً طوال العقود الماضية، ويمكن تعداد الأمثلة: مصر، سوريا، العراق، السودان، اليمن، الجزائر، ليبيا، وإلى حدٍ ما تونس . ومن يتابع مجريات الأحداث في أول بلدين عربيين تغير فيهما نظام الحكم، وتمكن الإخوان المسلمون من الصعود إلى السلطة فيهما، أي تونس ومصر، سيلحظ الشبق الطاغي للسلطة لدى القوة الصاعدة التي لم تعد تكترث بالمكونات الأخرى للمجتمع . لنتذكر هنا الجدل الدائر في مصر عن مساعي الإخوان إلى الإمساك بمفاصل الدولة المصرية، ولنتذكر الشكوى التي تضجّ بها القوى المعارضة في تونس لحزب النهضة الحاكم، وهي شكوى طالت، فيمن طالت، حزب رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، حليف النهضة في البرلمان وفي الحكم، الذي عبّر في الخطاب الذي ألقي باسمه في مؤتمر حزبه الأخير، عن امتعاضه من اندفاع النهضة نحو مصادرة كامل الفضاء السياسي والإعلامي في البلاد . ممثلو” الإخوان” ومناصروهم حين يتحدثون في البرامج الحوارية على الفضائيات العربية لا يلجأون إلى مداراة الأمر، حين توجه إليهم أسئلة عنه، بل يذهبون صراحة إلى القول إن من حق تنظيمهم مادام فاز في الانتخابات، أن يعيد بناء أجهزة الدولة بما يتوافق والهوى السياسي والحزبي المهيمن، وهو الأمر الذي لا نجد له مثيلاً في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية التي تشهد تناوباً دورياً على السلطة بين الأحزاب الكبرى، أو بين الائتلافات الحزبية، كأن “الإخوان” على عجلة من أمرهم في اقتناص هذه اللحظة التاريخية التي لم تؤاتهم إلا بترتيب غربي - أمريكي بالدرجة الأولى . ولعل هذا ما لاحظه هيكل حين قال إن نشوة “الإخوان” بالاعتراف الغربي بهم منعتهم من التبصر في عواقب ما يفعلونه، إن هم مضوا قدماً في مشروع “أخونة” الدولة الذي يراد له أن يقابل ترتيباً أمريكياً سابقاً ومستمراً بتمكين “حزب الدعوة” الشيعي في العراق، وأخذاً في الاعتبار العامل الإيراني، فعلينا توقع أي منزلق يراد للمنطقة أن تذهب إليه .
أياً كان تقييمنا لحصاد الدولة القطرية العربية بعد الاستقلال التي هيمن عليها العسكر، فإن الطابع “العلماني” لها حمى النسيج الوطني، ولو إلى حدود، من التمزق والتفتيت، وفي حال المضي في مشروع الدولة الدينية الذي تتضح معالمه أكثر فأكثر، فإن السجال القادم لن يكون بين العلمانيين وخصومهم، فذاك سجال صحي ويمكن أن يكون خلاقاً، وإنما بين ممثلي الهويات الدينية والمذهبية المختلفة، ما يعيد العالم العربي القهقرى، ويعطي “إسرائيل” الهدية الذهبية التي تنتظرها: إغراق العرب في نزاعاتهم المذهبية، وتكريس هيمنتها المطلقة، وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية .
بقلم الدكتور حسن مدن - أستاذ جامعى من البحرين
نُشر فى الخليج الأماراتية