لست من الذين يميلون للتخندق .. فى الجهوية او القبلية ..او كل ما من شأنه. ان تضيق معه مساحة الغيرة على الوطن الكبير..فالانسان السودانى شاء ..ام ..كابر .. فهو موزع الاطراف على الجهات الاربع من جسد هذ ا البلد القارة..فإن تدحرجت ..جمرة على اى من تلك الاطراف.. فإنها تؤذى بقية الجسد اطرافاً ووسطاً.. ورأساً.. ولا يملك الجميع إلاَّ التوجع معاً.. صراخاً.. وانيناً. حيال ذلك الألم.. الذى قد يبقى اثره طويلاً .. وان زال السبب .. الذى قد يبطل العجب.. لا فرق عندى بين جوبا ..وحلفا ..او الفاشر ..وسواكن .. اعشقها .. مثلما ..اهيم بودمدنى .. وانا بعيد عنها .. وازداد ولهاً عليها جميعاً وانا قريب منها..ومناسبة هذا الشبال .. ان الكثيرين من ابناء وطننا من المناطق الأخرى يتهموننا ..نحن ابناء الجزيرة بالانحياز الى هذا الجزء من الوطن حينما يعلو صوتنا مطالبين بحق مشروع لكل مواطن فى اعلاء ذلك الصوت.. لاسيما واننا لا نتحدث عن احلام صغيرة تراود قرية ما او منطقة محدودة السكان ومحصورة المكان.. فالأمر يختلف حينما يكون الحديث كناقوس يحذر من ضياع مشروع قومى بحجم واهمية مشروع الجزيرة والمناقل العملاق.. لما له من دور تاريخى فى تحمل العبء الاكبر فى نهضة الاقتصاد السودانى ..ولما يعول عليه ايضا فى مستقبل الوطن الذى لا فكاك له من قدر الارتقاء مجدداً على اكتاف الزراعة التى يشكل هذا المشروع التاريخى حجر الزاوية فيها .. الجزيرة التى وصفها الامام المهدى - طيب الله ثراه- منذ اكثر من قرن من الزمان بعبارات بليغة تنم عن حكمة ونبؤة .. بأنها امرأة تحمل على كتفيها رجلين.. فإن وقعت فلن يستطيع الرجلان حملها.. وها هى الجزيرة المشروع ... ترقد بين ساعدى الابيض والازرق تلعق جراحات سقطتها جراء الاهمال والجحود..وقد اصاب خضرتها شىء من غبش.. وهى التى نسجت حول جسد الوطن خيوطاً من حنان قطنها الناعم ..وعمرت موائده باصناف منتجاتها.. واعطت الوتر .والكفر .. والثقافة .. والكفاءات التى غنى لها بلبل حنتوب الجميلة ورقص لها هدهدها خيلاء وزهوا... اذاً هى ليست قطعة زراعية كالرحم المستأجر تنتهى ..مهمتها بتسليم المولود لمستأجريها.. انها وطن بحاله داخل وطن .. عليه ان يسندها فى لحظات ضعفها .. مثلما اوقفته ردحا من الزمان على ساقيها القويتين... قمحاً.. ووعداً وتمنى .. ولطالما ادمت كفيها وهى تغزل الخضرة على جيد الوطن دون ان تميز بين مساحاته .. فهل تستحق منا كل هذا؟.. وها نحن نرى بألم جدب سندسها ..وتهتك شرايين المياه فيها وهى التى سقت واشبعت الانسان والحيوان.. فالامر لا يزال قابلاً للتدارك .. فجزيرتنا ..ما زالت صبية ولود .. ينضح رحمها الخصيب .. بخير ينتظر التلقيح ..ليفقس الغد الاخضرمن جديد..وان طلقها الابيض طويل التيلة بالثلاثة فإن انقاذ الموقف بالمحلل الجاهز ...وهو الاسود السائل رغم تقلب مزاجه واضطراب أسعاره فى السوق ..وضلوعه فى اثارة المشاكل بين شراكات جوبا والخرطوم .. يظل الحل لاعادة اللحمة بين الارض والقطن الذى يبدو انه قد فارقها غيرة من نظرات المحاصيل النقدية الاخرى التى شدت انتباهها اكثر.. نطلق هذه الصرخة التى نتمنى ألا تتوه فى وادى الغفلة ..مثل سابقاتها من اقلام واصوات غيورة على مصلحتنا العليا ونحن نحلم باعادة مشروع الجزيرة ..ضمن الاهتمام بقطاع الزراعة بصورة عامة فى البلاد .. لتمتلىء (قفة) ملاحنا محلياً قبل ان نشطح فى الحلم (الهندى الطويل) بأن نصبح سلة غذاء العالم التى توفرها الآن دويلات كالدنمارك وهولندا ونيوزيلندا..وحجم اى منها لا يزيد عن مساحة محافظة الحصاحيصا بما فيها اقليم الحلاوين ومقاطعة مناقزا.. اقول قولى هذا .. وقد رشحت الآن وقبل التعديل الوزارى الاخير أنباء عن خطة تبيت النية لخصخصة مشروع الجزيرة والمناقل (يعنى طرح للبيع فى مزاد المستثمرين) ولعل الكلام عن اصلاح المشروع او اعادة صياغة العلاقات البينية فيه ..ربما كانت تتردد منذ أيام الراحل الشريف حسين الهندى مروراً بكل العهود الشمولية طويلة الأجل .. وفترات الديمقراطيات قصيرة التيلة والصلاحية .. وليس انتهاء بما يسمى الآن بالنفرة الزراعية .. ونقول بصدق ان تجاوز اهل المصلحة من المزارعين فى اية تسوية تستهدف مستقبل المشروع سيكون وبالاً عليهم وعلى الصالح العام.. فلن تنهض الجزيرة وتحمل الرجلين مجددا على عاتقها .بعد تجاوز محنتها ..وتمد لهما من جديد مقاديف محَنتها... إلاَّ وفق دراسات متأنية يشارك فى كتابة سطورها كل الملمين بخفايا سبب وهدتها والعارفون بوسائل العلاج .. الناجع والنهائى للعلة .. لا معالجو الاعراض.. بالمسكنات .. التى طالما ادمناها .. فأضحت فى حد ذاتها .. مرضاً ..بدلا من ان تكون علاجاً ..
(كسرة خفيفة):
يمين الخير اصلو.. هولك
زمان العز باس.. حجولك
يا ست البنات اقيفى طولك
ان شاء الله ما يشمت عزولك
مالو المحل..عطَّش سهولك
بعد الخضار يبسن شتولك
حلكة الليل غطت فصولك
شاحد الكريم يعلن طبولك
وفى المحافل يمشى قولك
فوق للقمر نشهد وصولك
يا زينة البنات تفوقى جيلك
ومن بكرة ..يتحقق عديلك
محمد عبد الله برقاوى...