ونحن نراقب من على البعد والقرب فى ان واحد .. حالة الاستقطاب الحادة التى نشبت بين ( جماعة الافتاء ) والحزب الشيوعى السودانى .. على خلفية ادعاء الاولى ان الشيوعيين حاولوا توزيع منشورات حول حرم مسجدهم بغية دعوة الناس للانضمام الى حزبهم ..فيما ادعى الطرف الثانى ان جماعة الافتاء جيشت شبابا مسلحين بالسيخ والمدى والعصى ليهاجموا دار الحزب الوليدة بمنطقة الجريف غرب ..مما دفعهم للتصدى لتلك الهجمات دفاعا عن دارهم.. حيال ذلك كله لوحظ الصمت التام من قبل السلطات بالقدر الذى يطرح سؤالا كبيرا .. هل تنتهج سلطة الدولة درجة عالية من الحياد الايجابى حيال الطرفين المتنازعين.. باعتبارها هى ذات الجهة التى اعطت جماعة الافتاء الحق فى ممارسة نشاطها الذى يفترض ان تنأى به عن التعاطى مع الشأن السياسى .. وهى فى نفس الوقت نفس السلطة التى منحت مؤسساتها المختصة رخصة للحزب الشيوعى بمزاولة نشاطه السياسى .. وفق الضوبط المرعية والتى تلزم كافة الفعاليات السياسية الاخرى .. ام ان صمت الدولة نابع من كون الحادثة قد بتت فيها سلطات الامن المعنية و احالتها للنيابة المختصة توطئة لبسطتها فى ساحة العدل ليقول القضاء كلمته الفصل فيها .. وهو الاستتناج الغالب ..نظرا لحساسية وضع الحكومة تجاه مثل هذا الصدام الذى نتمنى ان يكون عارضا.. بين جماعة متشددة ربما تتجاوز نظرتها ( حدود تكفير الشيوعيين ) الى الامتعاض عن تفريط الحكومة ذات الاغلبية الاسلامية فيما يتصل بتطبيق اشد للشريعة الاسلامية وحدود الله..وبين حزب تمثل عودته الى الساحة بعد اقصائه عنها قبل اربعين عاما على يد ذات الجماعة التى تحسب على السلطة الحالية..نوعا من مصداقية الحكومة فى توجهاتها نحو ارساء اسس جديدة للتعاطى الديمقراطى.. غير المشروط بديانة معينة او اثنية بعينها ..
والمسألة برمتها ومن هذا المنطلق تحديدا تشكل تحديا سافرا لاجهزة الدولة المعنية بتنظيم ومراقبة حركة الاحزاب .. السياسية من جانب ..ومن الجهات المنوط بها تنظيم علاقات جماعات الافتاء والدعوة .. بالمجتمع والتزامها بنظم الدولة التى تحدد درجة تفويضها فى اصدار الفتاوى ومقدار سعة الدائرة التى تتحرك فيها. من جانب اخر.لان التفريط فى التساهل بالطبع سيخلق شيئا من الفوضى .. والافراط فى التنطع سيضيف الصدام المرفوض الى ساحات تلك الفوضى .. وربما الحادثة الاخيرة فى قطاع غزة والتى تجلت فيها تداعيات غض الطرف وارخاء وتر الملاينة للجماعات المتشددة التى كانت تتظاهر بمهادنة سلطات حماس الاسلامية ..وتتخفى فى حركتها وراء تكفير; العلمانيين ..الى ان اقتربت من قلب حماس فحطت سيفها مباشرة علية ..فعاجلتها حماس برد ذلك السلاح الى نحرها بدرجة من العنف ربما لا يدانيه الا عنف الاسرائيليين الذى استخدموه حيال حماس فى حرب غزة الاخيرة... نحن الان امام ديمقراطية خارجة لتوها من قمقم الحبس الطويل تتلمس طريقها فى الضوء بعد مكوث خلف العتمة.. واحزاب نهضت بالكاد من حال كساح وشلل .تحاول النهوض على (المرق الاخضر الغض ) الذى ينوء بحمل سقف الحريات الممنوحة حاليا على محدودية ارتفاعه .. وسعة قطره.. والكل مطالب باحترام خيارات الاخر ومبادئه طالما ارتضينا مبدأ الديمقراطية..نهجا للتسابق نحو ثقة الامة ..ليملأ كل ( حشاش شبكته ) ولكن وفق ثوابت وطنية تتيح لكل فعالية معرفة وزنها الحقيقى .. اذا ما صحت التوجهات ..وصدقت النوايا ..و تعاطى الجميع مع قضايا الوطن والتحديات بانها ..من صنع الجميع ..ومسئولية معالجتها .. وتجاوزها ..هى ايضا مسئولية الجميع ...والله من وراء القصد.. .