هاهو الآن، نظام الخرطوم، يحصد ماجنى، بعد مايقارب ربع القرن،
من السياسات التي أهلكت الوطن، وأفقرت العباد.
الشعوب تمهل، ولا تهمل.. والإنفجار العنيف، في الشارع السوداني الآن،
يبصم على هذه المقولة، التي –عادة- ماينذهل عنها الحكام الذين ينومون
على آذانهم.. لا يسمعون أنينا، ولا يبصرون دموعا!
أنّ شعب السودان، طويلا.. وسالت دموعه، بأكثر ممايسيّلها الآن، الغاز المسموم،
الذي يلف الخرطوم بغلالة رمادية، و[أكثر مما يسيّلها مقتل المئات من الشباب
الذين هم في عمر الورد، بالرصاص الذي يعوي.. يصيب مع سيق الإصرار
والترصد، ولا.. لا يدوش القبضات التي ترتفع بالتصميم، ولا الحلاقيم التي
تتجرّح بالهتاف.
أخذت نظام الخرطوم، العزة بإثم القوة... وإثم الكبرياء، ومن تأخذه مثل هذه العزة، تفوت عليه-
حقيقة أن القوة كلها لله.. وأن الكبرياء له وحده، ومن يشاركه فيه، يقصمه!
ظل النظام يراهن: السودان لن يشهد ربيعا عربيا، لأن السودان استبق ربيع العرب، بربيعه في
العام 1989 ، حين أطلت ثورة الإنقاذ!
كان النظام يتحدث هكذا، والانظمة الباطشة تتساقط كأوراق الخريف، بهبات الشعوب التي راحت تزأر، بحثا عن الكرامة والحرية!
يوم قال النظام ماقال، ضحكت في سخرية: " لو كان ربيع العرب، مثل ربيعكم، فلا كان الربيع.. ولا كان.. ولا كان العرب، مثلما ان السودايين- الآن- ليسوا كائنين، على الإطلاق!
كانوا تحت القهر.. وتحت خط الفقر.. وتحت نيران الحروب.. وفي ظل انشطار الوطن، الذي كان، يوم استلم البشير السلطة، في حجم قارة!
ربع قرن.. والثورة بين مد الحلاقيم والصدور العارية، وبين جزر القمع، وفي أعقاب كل إجهاض بالرصاص
لهتافات الحلاقيم، كان النظام يزداد كبرياء.. ويزداد شراسة.. ويزداد غرورا،بأنه سيبقى إلى الامد، منذهلا عن قوله تعالى:" قل من كان في الضلالة فسوف يمدّ له الرحمن مدا"
ربع قرن.. وهاهم الآن فنية السودان، قد عبروا إلى غير رجعة، حاجز الخوف، برغم تحشييد النظام لكل قواته،
وبرغم الرصاص.. ورغم كل قتيل.. كل قتيل يسقط على التراب، وفي فمه بقية من هتاف" "" نحن مرقنا.. مرقنا،مرقنا.. ضد الناس السرقوا عرقنا"!
الآن، السوانيون ( كائنون)، والنظام في طريقه الأ يكون.. وكما تدين، تدان!
القوة الآن، في الشوارع.. والعصيان المدني يلوح في الأفق، والإنقساد بدا واضحا بين الذين يحكمون، والشوارع، لا إنقسام فيها.. وليس فيها من صوت يعلو غير صوت الثورة.. وصوت الرصاص.. وبقية من صوت كل شهيد: " أنا إن سقطت فخذ مكاني"!
ما أجمل مكان الشهداء.