مانديلا.. للموت كف دافئة! هاشم كرار
لكأنما كان احتضاره الطويل، نسخة أخرى من "الحقيقة والمصالحة"، ولكن هذه المرة مع... الموت!
تصالح مع الحياة، بايمان الثوار.. وتصالح مع الموت، بايمان العجائز.
أتخيل الموت، إذ هو يمدُ إليه يده، لا يمدها باردة، هذه المرة، مثلما يفعلُ منذ أن كان للموت روح!
لم يبترد، والكف دافئة.. مثله يصافحه الموت في حرارة، ويمضي به ملكا إلى أودية
الصمت الجميل.
مضى، حافيا وعاريا.. عاريا إلا من (ثوب من طرف السوق) إلى شبر من التراب ولسان حاله يقول: ( متاع الدنيا قليل)!
مضى.. ولسان حاله يقول: لا.. لا تبكوني.. آخر وصاياى أن تجدوا أنفسكم بترسيخ مفاهيم الحقيقة والمصالحة، في وطننا الذي هو بلون قزح!
2-
تخيلتُ نفسي: ماذا كنتُ سأتعلم، لو لم أكن قد عشتُ عمرا، في عصر مانديلا؟
ماذا كنتُ سأعرف عن المصالحة..
وماذا كنتُ سأعرف عن الحقيقة؟
وكيف لي أن أعرف أن الكراهية، والثأرات التي لا تفضي إلا للمزيد من الدم، لا يمكن إطلاقا أن تبني وطنا، يتداخل فيه اللونان الأسود والأبيض.. وتتداخل فيه ألوان؟
قبل ذلك، ماذا كنتُ سأعرف عن النضال، غير تلك الشذرات، التي لا تفضي إلا إلى بعض الإنتصار، والقليل من الخلاص؟
وقبل قبل ذلك، كيف لي أن أعرف- فعلا- أن للمحارب استراحة، بإرادته هو- تسبق استراحة الموت، وأن الرئاسة، وسيلة لا غاية، وأن كرسيها، يعرف العظماء كيف ينهضون منه إلى غير رجعة، وهم في تمام العنفوان؟
3-
لن أبك. مانديلا، مثلما كان على تلال ترانسكاي، هو الآن على أعلى تلة في ضميرى، وفي ضمير العالم.
مثلما كان ثائرا، هو الآن ايقونة الثورات والثوار.
مثلما كان معلما، نحن الآن تلاميذ، في صفه.
ومثلما هو مضى، سنمضي.. ( آخر العمر قصير أم طويل.. ثوب من طرف السوق وشبر في المقابر)!