هل يقود الميرغني اتجاها لتصفية الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل؟؟
بقلم / حسن وراق
أثار غياب مولانا محمد عثمان الميرغني عن السودان وبقاءه الطويل بين القاهرة ولندن الكثير من الشكوك لرئيس حزب كبير ترك البلاد تمور بالمشاكل والازمات وهو الشريك في حكومة المؤتمر الوطني عودنا دائما ان يكن بعيدا عن قضايا الجماهير والجميع يعلم ان بقاء مولانا بعيد عن البلاد هو بأمر المؤتمر الوطني والحزب العريق لم يعقد مؤتمره العام والذي يتخوف الميرغني من انعقاده لجهة ان كل القواعد ترعي أن يبتعد الميرغني من رئاسة الحزب بينما تتمسك الانقاذ برئاسته للحزب الذي لابد من الانتفاضة وتعديل المسار .
لا احد ينكر دور الحزب الاتحادي الديمقراطي في تشكيل الوعي السياسي للوسطية المعتدلة التي جذبت اليها العديد من المؤيدين من كافة فئات الشعب االسوداني . منذ تكوين هذا الحزب فهو تاريخيا، ذو اساس اتحادي متين من خلاصة عدد من الاتجاهات الاتحادية التي توحدت في فترة تاريخية اقتضتها الوحدة مع مصر لتتوحد تحت هذه الراية وتستمد بعدا دينيا باركته طائفة الختمية المناوئة تاريخيا لطائفة الأنصار التي تساند فكرة الاستقلال وضد الوحدة مع مصر.
تأسس الحزب الاتحادي في العام 1952 من أحزاب الأشقاء والاتحاديين والأحرار الاتحاديين وحزب وحدة وادي النيل وحزب الوحدة الوطنية. بعد انتصار ثورة يوليو المصرية تم توحيد حركة الأحزاب الاتحادية في حزب واحد في القاهرة ليصبح حزبا مناصرا لمصر في وجه النزعة العدوانية لحزب الأمة والذي تربطه علاقات مع الحكومة البريطانية. سعي الاتحاديون إلي الاستقواء بالبعد الطائفي عظيم الأثر في تلك الأيام ليروجوا لخصومة بين الختمية والأنصار كي يضمنوا تأييد ووقوف الختمية إلي جانبهم.
في العام 1954 تكونت أول حكومة برلمانية سودانية من الحزب الوطني الاتحادي وضعت حزب الأمة وطائفة الأنصار في معارضة هذه الحكومة الوليدة وهذا وضع طبيعي إلا أن هذه الحكومة وجدت ايضا معارضة من رجالات الختمية وخاصة السيد علي زعيم الطائفة الذي دفعته الغيرة السياسية بعد صعود نجم الاتحاديين ممثلين في السيد إسماعيل الأزهري وجماعة الاتحاديين المتأثرين بالقيم العلمانية الرافضة لسيطرة المؤسسات الدينية والطائفية .
بعد هزيمة حزب الأمة في انتخابات 54 كانت زيارة الرئيس المصري محمد نجيب في مارس من ذات العام قد وضعت البلاد علي حافة الكارثة باندلاع ما يعرف بأحداث مارس الشهيرة احتجاجا من حزب الأمة علي زيارة الرئيس المصري لتقع الصدامات المؤسفة والتي زهقت فيها أرواح عديدة والقي فيها القبض علي السكرتير العام عبدالله خليل ومساعديه. هذه الأزمة انعكست علي الحزب الاتحادي لينشب صراع بين الأزهري وبين قيادات الختمية أدي ذلك إلي تعديل وزاري تم بموجبه إقالة ( ثلاثي) الختمية في حكومة الأزهري ، ميرغني حمزة ، خلف الله خالد واحمد جلي ولحقهم بعد ذلك محمد نور الدين ليؤسسوا حزب الاستقلال الجمهوري بمباركة السيد علي . في الجانب الآخر عبر الجنوبيون عن رغبتهم في إقامة نظام حكم فدرالي وجد معارضة من الشماليين لتتعقد الأوضاع القائمة حتى ظن البعض ان ازمة البلاد من وراءها الخلاف بين السدين (علي الميرغني وعبدالرحمن المهدي ) اللذان اجتمعا بحجة إنقاذ البلاد. هذا اللقاء والذي عرف بلقاء السيدين قال عنه محمد احمد محجوب في كتابه، الديمقراطية في الميزان بأنه (( أعظم كارثة مني بها تاريخ السودان سعي خلالها عدوان لدودان مدي الحياة بدوافع الجشع والتهافت علي السلطة والغرور والمصلحة الشخصية إلي السيطرة علي الميدان السياسي.))
بعد أن أعلن الأزهري الاستقلال من داخل البرلمان للمحافظة علي بقاء حكومته ولإفشال ( مخططات) لقاء السيدين ، لم يك يدري أنهما قد تآمرا عليه بإسقاط حكومته من وراء تحالف حزب الأمة والختمية في فبرائر 1956 . بلغ الكيد بالأزهري والاتحاديين أشده عندما تأسس حزب الشعب الديمقراطي من الختمية وبعض الاتحاديين في مايو 1956 ومن ثم سعوا الي تكوين حكومة ائتلافية مع حزب الأمة في يوليو 1956 برئاسة عبدالله خليل وقد عرفت بحكومة السيدين وقد علق علي هذا الائتلاف احد المستعمرين الانجليز ( مستر هولت) بأنه (( ائتلاف مصطنع وذو طابع انتهازي، لان طرفاه اتفقا فقط علي خلع الأزهري ومؤيديه من الحكم دون تحقيق أي اتفاق حول الأمور السياسية الهامة )).
دخول السيدين الحلبة السياسية جعل الاتحاديون يرفعون شعار ، لا قداسة مع السياسة وبدءوا يوجهون سهام النقد للسيد علي الميرغني معترضين علي تدخله في السياسة وكيف أن تدخله هذا قد افسد العلاقة بين الاتحاديين والختمية وكان الشريف حسين الهندي وفي سلسلة مقالاته بعنوان لا قداسة مع السياسة (الشريف حسين الهندي .خفايا وأسرار لصديق البادي ) قد حدد ملامح الاتحاديين مع رجال الدين قائلا .((نحن نحترم رجال الدين ما التزموا جانب الدين واعتصموا بدينهم ، وربهم ابتغاء مرضات الله، ولكنا لا نهادن الكهنوت السياسي والرهبنة وعندما نتعرض لزعيم ديني اصبح زعيما سياسيا فاننا لانتعرض لمسائل خاصة وانما نتحدث عن صلته بالمجتمع الذي يعيش فيه ومدي تاثيره السياسي علي طائفة من المواطنين ، بغض النظر عن الاسلوب الذي يتبعه)) . دخول الطائفية الي المجال السياسي جعلها عرضة للنقد والذي لا يخل من تجريح بعد أن أصبح شعار لا قداسة مع السياسة ركن أساسي في العمل السياسي بالبلاد.
أصبح الاتحاديون يتتبعون فساد نواب الختمية حتى اثبتوا واقعة الرشوة الشهيرة التي كان يقدمها رئيس حكومة الائتلاف عبدالله خليل في شكل رواتب شهرية لنواب الختمية الذين انسلخوا من الوطني الاتحادي وانضموا إلي المعارضة في واقعة ما يعرف بتهمة الرشوة والتآمر بعد دعوة جنائية رفعها الصحفي عبدالمنعم حسب الله ضد رئيس الوزارة الائتلافية والذي اعترف بصحة توقيعه علي كشف المرتبات التي كان يتقاضاها نواب الختمية .( الانتخابات البرلمانية في السودان احمد إبراهيم ابوشوك والفاتح عبدالله عبد السلام ).
بعد قيام حكومة السيدين وتاسيس حزب الشعب الديمقراطي أصاب مؤسسات الحكم التشريعية والتنفيذية تحولا مخلا نتيجة لان أي قرار سياسي او تنفيذي لا يصدر الا بموافقة السيدين وأصبح نوابهم البرلمانيين مجرد ديكور او دمي في مسرح العرائس الذي تحركه أصابع السيدين.
أول انتخابات برلمانية أجريت في البلاد كانت في العام 1953 اكتسحها الحزب الاتحادي بنسبة 45% مقابل 23% لحزب الامة و32 % لبقية القوي السياسية . الانتخابات التي تلتها في عام 1958 تراجعت نسبة الوطني الاتحادي ،نتيجة لتأسيس حزب الشعب ، حيث كانت نسبة الحزب الاتحادي حوالي 26 % بينما كان حزب الأمة قد اكتسح الانتخابات بنسبة 36% وحزب الشعب 17% اما في الانتخابات الثالثة فقد كان تقدم حزب الامة علي الاتحادي بنسبة 30% مقابل 28 % للاتحادي وفي الانتخابات الرابعة بعد توحد حزبي الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في ماعرف بالحزب الاتحادي الديمقراطي فقد اكتسح نتيجة الانتخابات بنسبة 45% مقابل 14% لحزب الامة جناح الصادق و13% لجناح الامام الهادي اما في آخر انتخابات برلمانية اجريت في العام 1986 وهي الانتخابات الخامسة والاخيرة في تاريخ السودان فقد تراجعت نسبة نجاح الحزب في حصد مقاعد البرلمان بنسبة 23% مقابل 38% للامة و18 % للجبهة القومية الإسلامية ولهذا التراجع في عددية مقاعد الحزب ليس بسبب تراجع شعبية الحزب وإنما بتأثيرات مباشرة تسببت فيها قيادة الحزب التي سمحت بتعدد مرشحي الحزب في الدائرة الواحدة وبهذا السبب وحده فقد الحزب خمسة دوائر في العاصمةكانت من نصيب للجبهة القومية الإسلامية هذا خلافا للدوائر الجغرافية في بقية الأقاليم والتي تعدد فيها مرشحي الحزب بدوافع من قيادته لعل هذا الإخفاق له ما يبرره بعد ان آلت قيادة الحزب إلي السيد محمد عثمان الميرغني قطب الطائفة الختمية والذي ورث الزعامة عن والده السيد علي الميرغني .
لقد ظلت مواقف السيد محمد عثمان الميرغني منذ تقلده زعامة طائفة الختمية ورئاسة الحزب تتسم بالضبابية وعدم الوضوح والتردد مما هيأ مناخا ملائما لتزايد حدة الخلافات والصراعات بين العناصر الاتحادية والختمية داخل الحزب وشعور الاتحاديون بان السيد محمد عثمان يسير في درب تعميق الصراع بينه كختمي وبين القيادات الاتحادية داخل الحزب ولعل القطب الاتحادي الراحل الأديب والدبلوماسي المعروف علي أبوسن في خطابه المفتوح إلي رئيس الحزب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ( رسالة وداع ) قبل ان يلتحق بالرفيق الاعلي بعد ان بلغ به الظلم حتي بعد وفاته لتتجاهله قيادة الحزب تماما مستكثرة عليه نعيا يليق بمقامه . الراحل ابوسن كان قد بعث بالعديد من الرسائل قبل هذه الأخيرة وتهدف جميعها كما اشار الي محاولة اقناع مولانا السيد بضرورة اصلاح الحزب حتي يكون توحيده ممكنا .لقد صاغ الراحل أبوسن في خطابه المفتوح الكثير من الحيثيات والتي ابتدرها ب:
§ وصول مولانا السيد محمد عثمان الي قيادة الحزب في عام 1985 دون انتخاب او قيادة عمق من درجة التدني في الأداء والالتزام والجدية السبب الذي جعل المهتمين بالقضايا العامة في السودان ينفرون منه ويبتعدون حتى غدا حزبا لا مستقبل له وعاجزا عن تنظيم نفسه وبلورة أفكاره وعاجز عن إيقاف حروبه الداخلية وعاجز عن إيقاف جيوش المتسللين الي قيادته من ما وصفهم ب (( الغواصات)) من الأحزاب الاخري وكيف ان الحزب اصبح عاجزا ايضا من استيعاب المثقفين وحتى فشلت قيادته في التحدث إلي أجهزة الإعلام وإجراء الحوارات وقيام الندوات الثقافية.
§ بعد ان كان الحزب يمثل الحركة الوطنية ومفتوحا للجميع أصبح في عهد مولانا حزبا لأسرة معينة وهي أسرة السيد علي وليس المراغنة بعد ان أصبح مولانا رئيسا للحزب ونصب شقيقه نائبا وابنه عضوا قياديا ينتظر الاستخلاف.
§ تشجيع الخلاف والشقاق أوقع الحزب في اقبح المواجهات والملاسنات التي أدت إلي فتح الدوائر الانتخابية المضمونة ليترشح فيها اكثر من اتحادي واحد عام 1986 بتبرير ساقه رئيس الحزب بان الحصول علي مقاعد قليلة يشارك بها مع حزب الأمة في الحكم أجدي من وجود عدد كبير من الاتحاديين يحاورونك ويسألونك. ليصبح الحزب في الترتيب الثالث بعد ان كان الأول وحتي بعد ان اصبح الحزب في المعارضة كان الاهتمام اكبر بابعاد الاتحاديين عن مواقع تمثيل الحزب في المعارضة علما بانهم كانوا قد وضعوا لبنات واساس المعارضة قبل ان يتولاها مولانا.
§ وجه الراحل أبوسن اتهاما صريحا لمولانا محمد عثمان بانه يبغض المثقفين ويضيق بهم وقد خص بتلك الكراهية والضيق مثقفي الحزب وتعمد استبعادهم وسمح لمن هم خارج الحزب لتقديم العون والمساعدة له في كتابة رسائله وترجمتها او صياغة أفكاره إمعانا في اهانة وكسر شوكة مثقفي الحزب مستدلا بمقولة " أنا ما ح أكرر غلطة السيد علي الميرغني لما تعاون مع المثقفين و بقوا زعماء ".
§ رفض مولانا القاطع للديمقراطية والمؤسسية زعزع أركان الثقة بالحزب وسط جماهيره وأصبحت القيادة تعتمد المراوغة والإقصاء وزرع الفتن وشق الصفوف وتأليب الختمية علي الاتحاديين وترفض عقد المؤتمر العام للحزب وتنفق الملايين لجلب الوفود إلي خارج البلاد وأتباع كافة التكتيكات المعروفة لامتصاص غضب الاتحاديين المطالبين بعقد المؤتمر العام مثلما حدث في المقطم والقناطر بمصر .
§ امتدادا لضيق قيادة مولانا بالمثقفين أصبح يقرب العناصر الغريبة والمشبوهة والأقل خبرة منقبا في التوابيت ليستخرج منها جنائز تقود الحزب لتكون تحت اشرافه المباشر واهمل وتجاوز حتي القيادات القوية داخل الاسرة الختمية.
§ الاصرار علي رئاسة الحزب فيه تنكر للاسس التي قامت عليها اعادة توحيد الحزبين وتوزيع الادوار بين القيادات . الفراغ الذي خلقه رحيل الكثير من قيادة الصف الاول في الحزب الوطني الاتحادي لا يبرر الجمع بين رئاسة الحزب وطائفة الختمية معا .
§ استغلال قوة الدفع الكامنة في الزخم التاريخي لاسم ( الاتحادي ) واستخدامها في سبيل اثبات وجود ضبابي وتكديس اموال سرية لا يعرف قادة الحزب مصادرها كلها ولا شروط منحها.
اختتم ابوسن رسالته التاريخية ووصف قيادة الميرغني الحالية بانها عجزت عجزا مزريا عن ابراز مقدرات الحزب وادائه وفكره ووطنيته ليتقزم بعد ان كان ماردا واخرسا بعد ان كان ناطقا وعاجزا بعد ان كان قادرا وخلصت الرسالة الي القول بان مولانا لايصلح لان يكون زعيما او رئيسا للاتحاديين وانه غير مؤتمن علي هذا الحزب وطالب بعقد مؤتمر جامع للقيادة للنظر في امر مستقبل الحركة الاتحادية وانشاء حزب اتحادي حر وفض العلاقة نهائيا مع قيادة السيد محمد عثمان الميرغني واختيار قيادة جديدة للاتحاديين .
خارج البيت الاتحادي هنالك الكثير الذي يؤخذ علي قيادة السيد محمد عثمان الميرغني اثنا قيادته للمعارضة من خلال التجمع او من شكل علاقاته مع القوي السياسية في الداخل والخارج وقد ذهب الكثيرون الي انه ولو لا وفاة شقيقه السيد احمد لما عاد الي السودان حتي هذه اللحظة في الاشارة الي ان وجوده خارج البلاد من وراءه رغبة نظام المؤتمر الوطني الحاكم .
هنالك الكثير من الاحداث التي كشفت تردد الميرغني وعدم تفاعله مع الاحداث وكيف ان الراحل جون قرنق وقبل توقيع اتفاق نيفاشا كان قد انتظره لاكثر من 15 يوما في واشنطون حتي ينسق معه الا انه كالعاده لا يف بوعده وحتي عند رحيل قرنق في حادثة الطائرة المشئومة لم يك من ضمن الحضور علي الرغم من قيام السلطات الكينية من ارسال طائرة خاصة له كانت جاثمة و لمدة يومين في مطار القاهرة . ضبابية السيد محمد عثمان الميرغني ظهرت بوضوح عند موافقته علي حضور مؤتمر قوي جوبا عندما قابل وفد الحركة الشعبية بحديقته وقال لهم بالصوت العالي (( مجنون هو الذي لا يحضر مؤتمر جوبا )) واعلن عن حضوره بعد ان اخبرهم بان حسن عبدالقادر هلال مندوب الحزب سيسبقه بيوم وعندما نقل تلفزيون السودان في اليوم التالي لقاء مولانا بالدكتور نافع بمناسبة العيد تأكد للجميع انه لن يحضر لمؤتمر جوبا وقد كان غيابا مخجلا لا يشبه حزب كالاتحادي الديمقراطي .
كل قواعد الحزب الاتحادي الديمقراطي تطالب بعقد المؤتمر العام والبلاد مقبلة علي تحول ديمقراطي تجاوبت معه كل الاحزاب السياسية في الساحة بعقد مؤتمراتها و الغريب في الامر ،كان اعلام الحكومة المملوك والماجور يهاجم الاحزاب التي لم تعقد مؤتمراتها ويصفها بأنها احزاب غير ديمقراطية او احزاب الرجل الواحد او الصفوة وبعد ان عقدت كل الاحزاب مؤتمراتها صمت اعلام الحكومة وكتابها عن ملاحقة الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي لاتقف الامكانيات المادية عائقا اما قيام مؤتمره او اصدار صحيفته مثل ما فعلت احزاب لاتملك الا جماهيرها وجماهير الاتحاديين هي الاكبر عددا ولكن المؤتمر العام في حالة انعقاده سوف يدفع بقيادة جديدة تبعد السيد محمد عثمان الميرغني عن رئاسة الحزب وتضعه في مكانه الطبيعي علي رأس طائفة الختمية .
المتابع لمارثون الحملة الانتخابية يدرك بسهولة التنسيق غير المعلن بين المؤتمر الوطني وبين الاتحادي الديمقراطي علي مستوي القيادة وذلك في عدم وجود رغبة لتوحيد او التنسيق مع الاحزاب الاتحادية الاربع والتي يدعي الحزب الاتحادي او ما يعرف بحزب السيد ريادته او اصالته عليها . الامكانيات المالية الهائلة التي يتمتع بها الحزب لم تجعل منه حصانا اسود لكسب السباق نحو البرلمان لتكرر مأساة الاتحاديين مرة اخري وهم يخوضون الانتخابات منقسمين الي اكثر من 4 فصائل وحتي الدوائر التي تعتبر تاريخيا اتحادية اصبحت تشهد( تآمرا ) واضحا تركت جميعها لرموز المؤتمر الوطني وحتي الذين دفع بهم حزب السيد الي خوض الانتخابات فهم من العناصر التي لا تحظ بتاييد القواعد التي اكدت رفضها لاي مرشح يتم فرضه من المركز العام بدون مشورة وقبول قواعد الحزب ولعل تهديد قواعد الحزب بولاية الجزيرة بالتصويت ضد مرشح الحزب الاستاذ عثمان عمر الشريف دليل واضح يعكس ان قيادة هذا الحزب قيادة تصفوية تهدف فقط الي تدميره وتذويبه في داخل الاحزاب الاخري. الحزب الاتحادي الديمقراطي لم يستطع ان يغطي الدوائر الانتخابية كما كان يفعل في السابق وحتي المرشحون الذين جاءوا بهم ( القوا بهم في اليم مكتوفي الايدي وقيل لهم اياكم اياكم ان تبتلو ) بدون تمويل وكل اموال الحزب في يد الميرغني والذي لا احد سأله عن اموال التجمع كان عليه ان يرهن او يبيع احدي عماراته لتمويل حملة مرشحيه او كان عليه فقط ان ينزل الي قواعده ويطوف عليهم لكان ( اخذتهم الهاشمية ) ومولوا ذاتيا حملاتهم دون حوجة من اموال الحزب والتجمع التي بطرف الميرغني. فرفرة الدقائق الاخيرة التي قام بها الميرغني في شكل طواف علي مناطق نفوذه في الشرق ( كسلا ) رسالة منه لحكومة المؤتمر الوطني التي تماطله في رد املاكه واعدة اياه الي ما بعد الانتخابات كنوع من الابتزاز ولكن متوقع جدا ان تقوم الحكومة برد ممتلكات الميرغني بتسوية انتخابية لصالح المؤتمر الوطني والميرغني في سبيل الحصول علي املاكه لن يتردد بقبول شروط المؤتمر الوطني الحاكم .
ما قام به مرشح الدائرة 4 الحصاحيصا الشرقية السيد علي ساوي بتنازله الشخصي لمرشح المؤتمر الوطني دون الرجوع لحزبه ليست ظاهرة ولكنها حالة وسوف تتكرر ، علي ساوي لم ينتظر اشارة من الميرغني ولكنه الحوار الذي غلب شيخه Early Birds catch the worm وهذه جريمة تاريخية لن يغفرها التاريخ. الحزب اعلنها بوضوح انه لا يلتق مع القوي الحزبية في رفع شعار اسقاط مرشحي المؤتمر الوطني وبذلك تصبح القيادة بعيدة كل البعد عن قواعدها التي تطرح شعار اسقاط مرشحي المؤتمر الوطني وتعتبرها قضية لا يمكن المساومة حولها ولقد ذهبت الكثير من قواعد الحزب الي التنسيق مع تحالف الاحزاب السياسية ضد مرشحي المؤتمر الوطني وضد بعض مرشحي قيادة حزب السيد وهكذاعرفت قواعد الحزب ان الدرب الذي تسير فيه القيادة لا يعبر عن تطلعاتها فاختارت الخروج عن بيت طاعة القيادة الي حين المفاصلة النهائية بفض العلاقة نهائيا مع قيادة الميرغني واختيار قيادة جديدة للحزب العريق الذي يغرق يغرق يغرق!!
ما يدور الآن في الساحة السياسية ترتب عليها قبول قيادة الحزب المشاركة في حكومة القاعدة العريضة التي يدعو لها الموتمر الوطني الذي وجد نفسه معزولا داخليا وخارجيا وهو الاخر يغرق في لجة فساده وطغيانه وفشله في قيادة البلاد وفي ذات الوقت يتشبث بحزب السيد الغريق . قواعد الحزب علي طول البلاد وعرضها ترفض المشاركة في حكومة الجمهورية الثانية لعلمها ان المؤتمر الوطني يصر اصرارا ويلح الحاحا علي اشراك الاتحاديين لانقاذه بعد ان ثبتت عدم جدوي احزاب التوالي الاتحادية والتي انتهت صلاحيتها . دور مولانا السيد محمد عثمان الميرغني في المشاركة إتضحت جليا بعد ان قام بدفع ابنه ليصبح مساعدا لرئيس الجمهورية ومدير شئونه المالية والادارية مستشارا برئاسة الجمهورية عربونا مقدما لاثبات جديته في المشاركة ليفضح دعاوي بعض القيادات التي اجهدت نفسها في تجميل وجه مولانا وإظهاره بمظهر المعارض للمشاركة والكل يعلم ان مولانا اذا اراد شيئ في الحزب لا يملك الا أن يقول له كن فيصير امرا واقعا واصبح تبرير الميرغني لمشاركته في حكومة القاعدة العريضة تبريرا محفوظا وردده كثيرا (( مصلحة البلاد العليا تقتضي ذلك )) وحتي قيادة المؤتمر الوطني لن تقدم علي تشكيل الحكومة الا بمشاركة الاتحادي الديمقراطي ( حيطتها القصيرة ) وكل هذا التاخير حول ضمانات تتعلق بمستحقات مولانا الميرغني والتي طال انتظارها ولهذا دفع بابنه وسكرتيره ( هامش للجدية ) قبل ان يرسل اشارته و يعلن اتباعه الدخول في بيت طاعة المؤتمر الوطني لتلج قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي والمتطلعين للإستوزار وتخرج قواعده من ظلمات التبعية إلي فضاء الحرية والإنعتاق متحللين من التكلس الذي ضرب مفاصل الحزب لسنوات قضاها أسير قيادة أقعدته عن دوره الوطني وعسي ان تكرهوا شيئا فهو خير لكم .