منقول
أول فتاة سودانية «توزع» الصحف بالعاصمة منظرها وهي تحمل كمية من الصحف بين يديها الرقيقتين وتتجول بهما وسط شوارع الخرطوم.. يجعل فضولك يشتعل و«يتشابى» ليطلق تساؤلاً مباشراً مفاده : «يابت.. أنتي شغالة شنو؟؟»..
وبالرغم من أن البعض كتم ذلك الفضول وأغلق عليه بلثام اللامبالاة.. كانت هي فخورة جداً بعملها «كموزعة» للصحف اليومية.. مع إختلاف جوهري أنها تقوم بالتوزيع على «قدميها».. متفردة في «المعاناة» عن بقية الموزعين الذين يستخدمون سيارات ووسائل مواصلات أخرى في ذلك العمل المرهق.. والغريب جداً على إهتمامات مجالات عمل المرأة..
«هيفاء محمد الامين».. موزعة الصحف.. والطالبة بجامعة السودان قسم إدارة الاعمال.. ربما لم تكن الأولى في اقتحام هذا المجال.. بعد أن سبقتها إحدى النساء بولاية الجزيرة في مطلع الثمانينات.. لكن يمكن أن تكون «هيفاء» هي الأكثر معاناة..
سألناها عن سبب إمتهانها لهذه المهنة الشاقة.. فردت بسرعة: «عملت كموزعة لكي استطيع مواصلة دراستي الجامعية».. «قامت بتجميد سنة كاملة بسبب المصاريف الجامعية التي لم تستطع توفيرها»..
قلنا لها وهي تضع بعض الصحف على طاولة قريبة.. أتعتقدين أن هذه المهنة.. قد توفر لك تلك المصروفات.. فردت ببساطة: «والله صعبة.. لكن أنا بفضل الله أعتمد على نفسي.. وأشتغل: المهم أكمل الجامعة»..
عن كيفية التوزيع ومدى إستفادتها تقول: «اقوم بتوزيع «50» نسخة من صحيفة واحدة.. وأنال نسبة في كل صحيفة مقدارها «20» قرشاً.. وتضيف أنها تطرق الآن أبواب العديد من الصحف لكي تمدها بنسخ لتقوم بتوزيعها..
سألناها.. إذا توافرت لها فرصة عمل أخرى غير هذه المهنة.. هل ستتجه اليها؟؟ فأجابت بسرعة: «بالتأكيد.. فهذا العمل مرهق جداً.. وعائده غير مجزٍ»..
عن الشارع ونظرة الناس إليها كموزعة للصحف خصوصاً وهي شابة في مقتبل العمر تقول: «نعم.. أجد الكثير من المضايقات.. لكنني أقوم بحسمها بقوة..
لتصمت قليلاً.. قبل أن تضيف في لهجة حملت قدراً من الأسى:-
«كل هذه المعاناة أتقبلها بصدر رحب.. ليس لشيء سوى إنني أرفض أن أمد يدي لإنسان في هذا الزمن»..