....
قرأت بالأمس ما كتبه الأخ الأستاذ دينق قوج بعموده المقروء (جرس أخير) و الذي تناول فيه قصة ذلك الشاب الذي اعتدى عليه أحدهم بالسباب واصفاه إيّاه بكلمة (عبد) وقد قام الشاب بفتح بلاغ ومواصلة الإجراءات حتى مرحلة الحكم فحكمت المحكمة بغرامة ذلك المسيء مبلغ (100) جنيه و كان ذلك الحكم مفاجئاً للأخ الشاكي وللأستاذ دينق قوج ولكنّه لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي..!
فبقدر ما تألمت لوقاحة ذلك المسيئ الا أنني لم اتفاجأ بمبلغ الغرامة (100) جنيه فالعنصرية بهذا البلد (تُشترى بـالثمن) وتُفتح لها صحف ومنابر تلمح لهذا اللفظ كثيراً، وكيف اتفاجأ والمشّرع الذي جعل تلك الكلمة الكريهة تشترى بجنيهات قليلة هو من نفس الذهنية فالمثل يقول (العندو القلم ما بكتب نفسو شقي) تلك الذهنية التي تظن أنّه كلما (فتح) لونها قليلاً ارتفع قدرها بين الناس فتدعي التفوّق والسمو و(النقاء العرقي) فتسفه الآخرين وتحتقرهم ..!!
قرأت قبل فترة بإحدى الصحف أن ثلاثة شباب تتراوح أعمارهم ما بين الـ 18 و30 عاماً قد قاموا باغتصاب طفل عمره (5) أعوام – يالضياع الإنسانية- وقد حكمت المحكمة عليهم بالسجن لمدة (4) سنوات اكرر (4) وليس (40) فإذا ما وجدنا العذر للمشرع في الجريمة العنصرية الأولى فأين سنجد له عذر تخفيف العقوبة على المنحرفين؟ وكيف سنتفاجأ مرة أخرى بحكم مهما كان محبطاً بعد هذا الاغتيال العلني للطفولة والبراءة ؟! وكيف سنفسر هذا التساهل أمام الشذوذ في الجريمتين ؟..!! إنني موقن تماماً أنّ التشديد في العقوبة مع أهميته إلا أنّه لا يكفي وحده فأمريكا وبرغم تشديدها على عقوبة تجارة المخدرات إلا أنّها أيقنت أخيراً أنّ السبيل الوحيد لوقفها هو تجفيف منابعها فخاضت من أجل ذلك حروباً في كولمبيا وغيرها، ونحن أيضاً لن نقتلع العنصرية من جذورها مال م نخض مثل تلك الحروب ونعلن (الجهاد) ضد النفس بترك ذلك التعالي المزيف والاعتراف بالآخر والاعتذار والمعافاة ولن نقتلع العنصرية و(اسحق فضل الله) مايزال يذكرنا بعروبته ونقائه العرقي وهو يكتب بصحيفة (كانجورا) : (إنّ الزنوج يحبون الرقص والغناء وفيهم طيش وحمق) - يا إلهي كيف سنؤكد عروبة اسحق لو اردنا ذلك في اي تظاهرة عربية من المحيط إلى الخليج – ولن نقتلع العنصرية ومناهجنا الدراسية ما زالت تفرخ المزيد من عنصريي المستقبل – ياللمأساة- وما زال كتاب النحو بمدارسنا الذي يدرس لطلاب وطالبات الصف السادس (اساس) يعلم اطفالنا ان جمع التكسير لكلمة عبد هو عبيد فلم يجدوا مثالاً آخر لجمع التكسير سوى تكسير أفئدة أطفالنا السليمة بتلك الكلمة الكريهة ..!! وأخيراً لن تقتلع العنصرية حتى نقتلع كلمة السلام والعادل وهي من اسماء الله الحسنى من واجهة ذلك المنبر العنصري .. ومالم نفعل ذلك فإنّ سعر كرامة الانسان سيكون كما هو عليه الآن (100) جنيه فقط لاغير .. ويالها من مصيبة.