حسن وراق حسن
| موضوع: هاشم كرار .. ود بت الجعيلي يتحدي الدبابة بالقلم!!/ بقلم حسن وراق السبت 6 نوفمبر 2010 - 17:23 | |
| هاشم كرار .. ود بت الجعيلي يتحدي الدبابة بالقلم!! / بقلم حسن وراق
السبعينات كانت مرحلة تاريخية تمور بالحراك والتثوير .. نشطت خلالها حركة الآداب والفنون و إرتبط تاريخ الغناء والشدو الجميل بتلك الحقبة .. السبعينات كانت مرحلة تحول في الفكر والنهج الانساني .في مطلع السبعينات تأثر الشباب والطلاب في السودان بحركة التغيير التي احدثها انقلاب مايو واصبحت الموضة أوالتوجه لدى الغالبية العظمى هو لبس البزة العسكرية بالإنخراط في الجيش والبوليس ، كانت الكلية الحربية وكلية الشرطة "رغبة اولي" لخريجي الثانوي فى معاينات التقديم ، فقد فضلوا الالتحاق بهما على الكليات العلمية أو الانسانية بالجامعات.. هاشم كرار ، ود بت الجعيلي غرد خارج سرب أولاد دفعته مقتفياً أثر بيئته الأدبية والثقافية التي زرع شتولها فى دواخله شقيقه الراحل طه كرار الذي كان محراباً للآداب والفنون ، بعد أن اضافت أُمه الراحلة بت الجعيلي على عالمه بعداً فولكلورياً شعبياً.. وعندما أمسك هاشم إبنها القلم ليكتب فى الصحافة ، وفى الادب خرج على القراء بنص يزاوج بين ذكريات طفولتها وصباها في قرية المقل في الولاية الشمالية .. كانت بنت الجعيلي قد جاءت من هناك (عروس مدللة بي حجباتها وبتعاويذ حفظتها واستنطقتها مع شهادة الوفاة)، جاءت من هناك ولم تعد أبداً الى المقل ،، وهاشم الذي ارتوى من نبعها لم يزر تلك النواحى قط ..!من طه ، ومن بنت الجعيلى تشكل عالم هاشم مفعماً بليبرالية حياة كنبو عمال المحالج بالحصاحيصا ، وشفتنة و( حبرتجية ) أولاد الحلة الجديدة وترابطهم ..! من هذه البيئة المشبعة بالحب والمترعة بالابداع خرج هاشم كرار ناضجاً، شق طريقه منتمياً لإنسانيته التي رعاها شقيقه الثاني عوض كرار، النقابي الذي نذر عمره وحياته للطبقة العاملة ولبنت الجعيلي أُمه ، وللصغير هاشم . ولأن ود كرار هاشم كان منذ صغره ( عكروداً ) يهوي المتاعب والمجازفات فقد إختار ان ينتمي لمهنة البحث عن المتاعب ..التحق الآداب قسم اللغة العربية ، تسلل الى وجدانه عشق المفردة الجميلة ، و،، لم يزل حتى هذه اللحظة مفعماً ومعجباً ببشار بن برد ، وبالمتنبئ ، وبالفيتوري ، وغيرهم ،، لم يزل هاشم كرار " يهذي " بآيات الشعر فى محاولة لا يأس فيها ،، ذلك أنه يتقصد نقل عدوى الشعر الى كل الشوارع ..! من نافذة الشعر تخرج من الجامعة صحافيا كامل الدسم ، وأديباً له مدرسته الخاصة في العشق وفى الكتابة، وفى "إخراج" النكتة والدعابة ، وفى تصوير المشاهد والتفاصيل الصغيرة بدقة الملاحظة ، واقنتاص الفرصة لإشاعة الفرح فى الناس مستبشراً ومبشراً بأن "الغد الزاهر أمامنا".. أو هكذا ظل يقول .. شكَّل ود بنت الجعيلي مع زملاءه في ذلك الوقت مدرسة قائمة بذاتها ميزت صحيفة الايام بنكهة فريدة ، إذ تمكن ود بنت الجعيلي من "توفيق" أوضاع لغة الصحافة ذلك الوقت عندما "سودنها" بقاموس المفردة السودانية الرصينة ، وأبعد عنها شوائب لغة اولاد "بمبا".. فهو الذي يستطيع أن يكتب داخل النص إضاءات المعنى بلغة االباريا، أو التبوسا ، أو النوير ، أو النيمنق ، أو دارفور ،، هو الذي يفتح الدوباي ، ويستحيل مع الحبر الى "جر النم " فتخاله إعرابياً سارحاً مع قطعان الإبل فى فيافى كردفان، ناهيك عن غوصه فى لغة الشوايقة ، والتى اكتسبها " من منازلهم " ! من بنت الجعيلي ومن مجلسها ،، الى الدرجة التى جعلته يناجز رواد المجلس فى " غُنا الجبوبات"..! انفتح ود كرار بكتابته وحكاويه علي الطبقات المسحوقة والتي تكاد لا يراها الناس .. صادق الشماسة وعاش آلامهم ، وعمَّق تراجيديا الحَزَن وهو يسرد تفاصيل موت صديقه الشماسي (رمضان )..دخل بيوت ( تمبوشة وأخواتها ) تلك البيوت التي يحاربها قانون "النظام" لتصبح ( نقاطة ) فى جيوب أصحاب الياقات السرية والعلنية ! وتعرف علي مآسيها وأحزانها ،إبداعها وإنسانيتها ، و تخصص في الغوص عميقاًاً في قاع المجتمعات الإنسانية ليخرج منها الدرر. الهجرة والإغتراب بالنسبة لود كرار كانت اشبه بعقوبة النفي و الإقصاء عن تلك البيئة الغنية المتنوعة التى شب فيها، ولأنه "مكرهٌ وليس بطلاً" ولأنه فنان فقد إستطاع أن يتحايل علي الزمن والمشغوليات ، و (العيال كبرت)،، كان كرار كما يسميه أهل الدوحة يقتطع إجازة كل عام ليتزود من نبع أشجانه ،، لقد ظل كل عام يأتى ليستظل و يرتوي قبل ربع إغترابه الخالي بجرعة ماء تبطل تيمم تواجده بعيداً.. صحيفة الوطن القطرية هي محطة قطاره الأُولي التي ( دسّ ) فيها عصا الترحال محتفظاً ببقية وثائق السفر، ولأنه ( ولوف ) كما "الادروبات" فقد رتب نفسه وحياته هكذا ، وبدأ يتغلب علي غربته بمداد قلمه سائحاً في أرض المعارك الإنسانية والحكايات المترعة بحب الناس والمواقف النبيلة .. نقل بكل صدق الأبعاد الإنسانية لمعاناة الإنسان الاريتري والاثيوبي بطعم "سومسوم في عيون أبرهيد" كإضافة نوعية للمكتبة الأدبية السودانية .. ود كرار يذهلك عندما يجري حواراً مع رؤساء الدول والشخصيات البارزة .. شجاعة ود كرار لا تعرف التردد ..هو الذي خاطب الرئيس عمر البشير بصراحة جحظت منها عيون الصحفين والإعلاميين بالخارج في وقت كان لا يجرؤ أحد علي مثل حديثه . هاشم كرار له حكايات مع الدبابة رمز السلطة العسكرية .. الدبابة عند هاشم سلاح فتاك مدمر ، لكنه يمتلك ما هو مضاد للدبابة واكثر فتكاً بها .. يمتلك القلم . أذكر جيداً هاشم كرارعند قيام إنقلاب الإنقاذ ،، كان في تلك الأُمسية الخميس 29 يونيو يعكف على إصدار باكورة العدد الاول من صحيفة "الحوادث" السياسية .. صدرت " الحوادث" فى صباح الحدث ،، لكن دبابة انقلاب الانقاذ منعت توزيعها ، وكانت " الحوادث" تحمل في طياتها أجرأ حوار لود كرار مع السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء وقتها،، كان مانشيت الجريدة كما صاغه هاشم كرار هو : ( المهدي: إذا فشلت فلن أُشيَّع باللعنات..)! ومن داخل دبابة في ساحة المعارك الاثيوبية الاريترية يكتب هاشم حوار القرن مع الرئيس الاريتري أسياسي افورقي .هاشم كرار ، ود بت الجعيلي يحقق إنتصاراً كبيراً للصحفي السوداني الملتزم ،الأمين ، والمهني ، المؤهل الخبير، عندما اختاره مجلس إدارة صحيفة "الوطن" القطرية سكرتيراً للتحرير.. هذا التعيين صادف أهله لأنه الشخص المناسب في المكان المناسب ، ولا نملك إلا أن نسوق التهنئة لـ ( الوطن) القطرية قبل أن نسوقها لـ " الكرار" ولاسرته ، ولرفيقة دربه الأُستاذة أماني قوليب ، وللأبناء والأصدقاء ولكل الصحفيين السودانيين . | |
|