مولانا سيف الدولة حمدنالله عبد القادر احد ابناء الحصاحيصا ومن افذاذ رجالات القانون وكان قاضيا مشهود له بالكفاءة والشجاعة وهو من القلة فى سلك القضاء السودانى ومن سطروا مواقفهم ضد الظلم والفساد وتسيس القضاء الحر وتدجينه لصالح الانقاذ فله منا التجلة والاحترام .
لا بد ان حكومة الانقاذ قد ادركت ان قوات الامن والاحتياطي المركزي وحدها لا تستطيع الدفاع عنها اذا قامت عليها القائمة التي تزحف نحوها ، فقد تهاوي امام بصرها الامن المركزي المصري والامن الليبي وقبلهما أمن زين الهاربين ، وهي انظمة اضعفها اقوى من أمن الانقاذ عشرات المرات ، كما ادركت الانقاذ ان سر تداعي وسقوط تلك الانظمة ، يكمن بين انامل شباب صغار يتنادون عبر صفحات (الفيس بوك) و (التويتر) . وكان قائد العصبة اول من وضع يده على مكمن الخطر ، حين قال في الخطاب الذي القاه في ام روابة قبل اسابيع : "نريد من شبابنا الاستفادة من الكهرباء لتعينهم في الدخول لشبكة الانترنت للرد على المعارضين".
بدوره ، سارع الفريق اول عطا المولى بانشاء كتيبة (الاعلام الاسفيري) لسد الثغرة التي اشار اليها رئيس الجمهورية ، وقد تابعت شخصياً – خلال الايام الماضية - النشاط الواضح لجهود مرابطي (الكتيبة العنكبوتية) بالمواقع المختلفة لشبكة الانترنت، ولكن .. لم يكن اداء (الكتيبة) بأفضل مما يمكن ان يفعله الثور بمستودع الخذف ، فدائما ما كان صبيانها يركلون بالكرة في مرمى الانقاذ باكثر مما يفعل الخصوم ، فليس اصعب على المرء من ان يقوم بالدفاع عن الباطل في مقابل من يحمل لواء الحق .
لا ادري ان كان ما فعلته السيدة / سارة منصور الشهيرة ب (فطين) يقع في باب التطوع ام الاحتراف ، خين دخلت فجأة ضمن طاقم الدفاع (الاليكتروني)عن حكومة الانقاذ خلال الاسابيع الماضية ، و (فطين) – لمن لا يعرف - مواطنة امريكية من اصل سوداني تقيم ببلاد العم سام ، لديها موقع ثابت باسمها بالشبكة العنكبونية ، وكانت تدير موقعاً معروفاً بالشبكة ، قبل ان يواجه مشاكل معقدة ، ثم ادارت له ظهرها لتتفرغ لما اسمته ( الحملة الاليكترونية لنصرة السودان).
ضمن برنامج الحملة الاليكترونية لنصرة السودان ، اطلت (فطين) – شخصياً - على موقع (اليوتيوب) خلال الاسابيع الماضية في مرتين متتاليتين ، وبحسب زعمها ، فقد رأت اطلاق الحملة بهدف تنوير شباب (الفيس بوك) و (التويتر) وحمايتهم من استغلال احزاب المعارضة الذين يؤلبونهم ضد الحكومة وحادي ركبها الجعلي (المأصل) – والتعبير لفطين – الذي ضحى بشبابه وعمره من اجلهم ، والذي وفر لهم (الموبايلات) الحديثة، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الفشلة، وطالبت (فطين) الشباب بعدم الاستجابة للدعوة بالخروج في مظاهرات ، لان السودان لا تحكمه عصابة لصوص كما هو الحال في شأن مصر والجزائر.
لا اريد التوقف كثيراً عند الالفاظ والاسلوب الذي استخدمته السيدة (فطين) ، كما لا اود الحديث عن تفاصيل ما قالت به في حق المعارضة والمعارضين ، فهو – اجمالاً – يقع في باب ما لا يليق بنا الاشارة اليه في حضرة القارئ الكريم ، وحديث (فطين) لم يكن ليدعوني لاهدار وقتي بالتعليق عليه، لولا انها قامت بتخصيص جزء كبير منه للدفاع عن جهاز الامن في خصوص الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق (بنتنا) الجسورة صفية اسحق .
تقول (فطين) ان صفية اسحق قدمت (تمثيلية) سيئة الاخراج باختلاقها قضية اغتصابها ، ثم عدلت الوصف في الشريط الثاني بقولها انها قدمت (فيلم هندي) من اختلاق المعارضة التي استغلت (صفية) بهدف الاساءة للحكومة ، ثم عرجت لتفنيد الادلة التي تثبت تكذيب (فرية) ارتكاب جريمة الاغتصاب . وليس في نيتي الاشارة لتفاصيل ما قالت به (فطين) في هذا الخصوص ، فهو من السذاجة والسخف بحيث لا تملك امامه الا ان تملأ رئتيك بهواء ساخن وتطلقه في وجهها ، ومن باب اشباع فضول القارئ نشير الى ثلاث من الحجج التي جادت بها القريحة (الفطينية) ، مما لا تحمل ما يسيئ او يزيد من جراح الضحية:
تقول (فطين) ان صفية اسحق لم تقدم وصفاً لمرتكبي الجريمة الا بقولها ان واحد منهم كان (اخضر وتخين)، فكيف يمكن – والكلام لفطين - التعرف على مثل هذا الشخص والشعب السوداني نصه خضر وتخان؟، وفي حجتها الثانية – او ما تعتبره حجة - تقول : انه كان من الخطأ نشر التقرير الطبي الخاص بالجريمة لانه حرم (صفية) من مراجعة نفسها من الخطأ الذي ارتكبته في حق وطنها وشعبها بادعائها الباطل ، بينما تقول في حجتها الثالثة : (ناس الامن في العالم كلو بيضربوا الناس وبيعذبوهم، يعني الزول البيعمل غلط ويمشي ليهم في محلهم يدوه بيبسي كولا ؟ ).
لا يمكن التعليق على حديث السيدة (فطين) دون ان نربط معه التصريح الذي صدر عن السفير عبدالله الازرق ، سفير السودان بالمملكة المتحدة ، الذي نفى من موقعه بشارع (كلفلاند رو) بقلب لندن احداث واقعة جرت بالقرب من موقف شندي بالخرطوم بحري ، حيث قال السفير في لقاء اذاعته شبكة البي بي سي : ان هذه اتهامات غير صحيحة ، ولا تستحق حتى ان تجرى الحكومة تحقيقات بشأنها ، وختم حديثه بتوجيه (المدعية) بالشكوى للقضاء ان هي رأت ما يستوجب ذلك.
السفير الازرق ، هو واحد من ثلاثة سفراء كادوا يطيحون بوزيرة الخارجية الموريتانية "الناها بنت مكناس" التي امطروها غزلاً بشعر ينقصه الوقار الذي يقتضيه منصب المادح والممدوح ، حتى قال عنها اهل شنقيط ان وزيرتهم – من فرط حسنها – تثير فتنة فحول الخارجية السودانية ولا تصلح لتمثيل بلادها في الخارج ، ولتعريف القارئ بسعادة السفير نورد جانباً من ابياته في غزل "الناها" :
وانثر لها الورد في الخرطوم ..إن لها ربعا وأهلا هنا تاقوا للقياها
وللورود هنا سفن وأشرعة.......... بحبّكم كان مجراها ومرساها
ان الجرائم التي ارتكبت داخل مباني الامن وملحقاته الشبحية ، او حتى تلك التي وقعت في الهواء الطلق (تصفية المهندس ابوبكر راسخ امام منزله بالحاج يوسف وفي مشهد من اسرته) منذ قيام الانقاذ لا تعد ولا تحصى ، فهي تشمل القتل ( الدكتور علي فضل ) و هتك العرض ( العميد محمد احمد الريح ) الذي نعرض اليه حالاً ، وتسبيب العاهة المستديمة ( المحامي عبدالباقي عبدالحفيظ) وقد بترت ساقه اليمنى، و تسبيب الجنون وفقدان العقل (المهنس بدرالدين التوم) ،وهذه مجرد امثلة من مئات اخرى لضحايا اجهزة امن الانقاذ التي يعرفها جميع الناس.
العميد محمد احمد الريح قام بتقديم شكوى لكل من له سلطة في هذا الوطن ، ذكر فيها انه اثناء اعتقاله لدى جهاز الامن ، تعرض لشتى صنوف التعذيب ، فقد ادخلت اجساماً صلبة في دبره ، وكان زبانية الامن يقضبون خصيتيه ب (الزردية) ، ويضربونه ضرباً مبرحاً بالسياط والخراطيم ، ويربطون اعينه لساعات طويلة بعد حشره في دورة مياه ضيقة ، وقد استمر تعذيبه شهوراً طويلة ، نتج عنه اصابته بشلل في رجله اليسرى ، وخلل في الغدة اللعابية جراء الضرب على الرأس والوجه ، وفقد بعض من اسنانه واضراسه ، وتدهورت قوة ابصاره بشكل مريع نتيجة الربط المحكم لعينيه .
العميد (ودالريح) وضح في شكواه اسماء من قاموا بتعذيبه ، وليس مجرد اوصافاً لهم ، فقد ذكر ان قائد فرقة التعذيب كان النقيب عاصم كباشي (توفى بمرض السرطان بعد فترة ليست طويلة من ذلك) ، ومسئول الحراسات النقيب محمد الامين ، واوضح ان كثير من جلسات التعذيب كانت تتم تحت اشراف وفي حضور العميد صلاح عبدالله (قوش) .
حتى كتابة هذه السطور لم تقم سلطات الدولة باجراء ولو تحقيق شكلي في شكوى (ودالريح) ، ولم يجد (ودالريح) امامه الا لجنة حقوق الانسان الدولية التي عرض عليها محنته ، وقد اخذت (اللجنة) الامر بجدية ضد حكومة السودان ، وقامت بمخاطبة سلطات الدولة في الخرطوم ، وطالبت باجراء تحقيق عادل وتقديم الجناة للمحاكمة القانونية . وانكرت حكومة السودان واقعة التعذيب جملة وتفصيلاُ ، وقالت ان العميد الريح اختلق فرية التعذيب بقصد احراج الحكومة والاساءة لسجلها في مجال حقوق الانسان .
من سخرية القدر ان الذي تولى دور (فطين) في تلك الايام في الدفاع عن جهاز الامن ، هو الاستاذ عبدالوهاب الافندي من موقعه كملحق اعلامي بسفارة السودان بلندن في تلك الايام ، قبل ان يحصحص له الحق ، وهو ذات الرجل الذي ينشر مقالاً في نصرة (صفية) بالتزامن مع هذا المقال.
ان الواقع يقول ، ان حكومة الانقاذ ، لم يسبق لها ان قامت بالتحقيق في اي من جرائم رجال الامن التي ارتكبت في حق الالاف من ابناء هذا الشعب فرادى او جماعات ، ولم تقدم احداً للمحاكمة (مجزرة بورتسودان/معسكر العيلفون/كجبار )، والحالة الوحيدة التي تعتبر استثناء لهذه القاعدة ، هي ما اضطرت له الحكومة من تقديم النقيب امن / هاشم عوض النور للمحاكمة ، لان جريمته بقتل المهندس ابوبكر محي الدين راسخ جرت احداثها على مرأى ومشهد من الناس ، وفي الطريق العام ، ولم يكن في مقدورها التستر عليها ، ومع ذلك ، فبعد ان قامت المحكمة بادانة النقيب هاشم بجريمة القتل العمد ، واصدرت في حقه حكماً بالاعدام ، تم الغاء الحكم واطلاق سراحه ، ثم تلى ذلك اعادة النقيب هاشم الى الخدمة بعد نقله من جهاز الامن الى ادارة الشرطة ولا يزال في خدمة الانقاذ برتبة عميد.
كما سبق ان اشرنا في مقالنا السابق ، فان الذي يجري في ارض السودان هو ظلم منظم ، ليس ظلم فرد او افراد في جهاز الدولة ، ظلم برعاية الدولة وتحت حمايتها ، وفي تقديري انه حسناً فعلت الجسورة (صفية) بأن لجأت الى حيث توفرت لها الحماية ، واذا كان هناك من امل في انصاف (صفية) وغيرها من ضحايا هذا النظام التالف والفاسد ، فهو يظل املاً لن يتحقق الا بعد ازالة هذا النظام القهري ، يومها فقط ، سوف يعود الحق لصفية ، وسوف يقتص الشعب من السفاحين الذين اجرموا في حقها ، وفي حق غيرها من ابناء هذا الوطن من الشرفاء ، وليس غداً لناظره ببعيد .
اما الانقاذ فانها حقاً لا تشبه الا (فطين) ولا يشبه (فطين) الا الانقاذ.
كتب :سيف الدولة حمدناالله فىالراكوبة هذا المقال وبدورى انقله لمنتدانا للمعرفة والتعليق .