وطلبوا مني ان احضر بعد اربعة ايام للسفر ووجدت ان التزكرة مكتوب عليها رحلة الطائرة من الخرطوم الي ام الطيور وبالعكس, فعلمت ان اسم ام الطيور هو اسم عاصمة جمهورية ام طرق عراض الوقوقاية.
عدت الي الحصاحيصا قادما من الخرطوم لاودع اهلي واخضر شنطتي ومستلزمات سفري على ان احضر بعد ثلاثة ايام للخرطوم استعدادا للسفر.
سافرت الى الخرطوم ومعي شنطة سفري ودخلت المطار استعداد للسفرعلى الطائرة المتجهة الى ام الطيور ووجدت بالقرب مني في الصالة شخص يقرا في جريدة , فسلمت عليه وسالته الي اين متجه فاجابني بانه متجه الي ام الطيور وانه فاز بجائزة وهي عبارة عن رحلة نتيجة حله لمسابقة تتحدث عن كتاب ( نزهة المشتاق في اختراق الافاق) وعدد الفائزين هم اثنين فعندها اعلمته بانني الشخص الاخر , وسالته عن اسمه فقال ان اسمه محمد المنسوب وهو قادم من مدينة الجنينة , وسالته هل يعرف شيئا عن بلاد الواق الواق فقال ( والله البلد دي بالنسبة لي عبارة عن بطيخة مقفولة لااعرف عنها شيئا).
بعد دقائق من حديثنا سمعنا صوت نداء في صالة المطار ينده ( على المسافرين الى ام الطيور ان يتجهوا الى الطائرة فورا), وركبنا بسرعة الطائرة وبعدا حوالي نصف ساعة حلقت بنا الطائرة عاليا في السماء وقد لاحظت الخوف باديا على وجه زميلي فقلت له هل انت خائف فاجاب نعم لانني اول مرة في حياتي اركب طائرة ,
وبعد طيران طويل ومرهق استمر لمدة ثمان ساعات متواصلة اخيرا وصلنا الى مطار ام الطيور, فحطت بنا الطائرة على الارض بسلام ونزلنا من الطائرة الى ارض المطار والمطار مساحته كبيرة جد اقدرها 25 الف هكتارولديه القدرة على التعامل مع سبعين طائرة في مدار الساعة الواحدة اقلاعا وهبوطا , ووجدنا في المطار فتاتين رائعتي الجمال تحملان لافتة فيها اسمائنا فاتجهنا نحوهن واتجهنا نحوهن , وابرزنا لهن جوازاتنا فعندما تاكدن من شخصياتنا , قامن بتعريف انفسهن لنا فقالت احداهما انهن تابعات الي الشركة التي نظمت الرحلة وان اسمها لينا واسم زميلتها مدلينا , وانهن ستكونان معنا كدليل لنا طوال وجودنا البلد وطلبتا منا ان نركب التاكسي معهم حتى ننزل الفندق الذي سوف نقيم فيه, وسار بنا التاكسي في شوارع المدينة ولاحظنا ان كل الشوارع مسفلتة وانه لاتوجد شوارع رملية ولامباني هرمة بل هي مدينة حديثة شوارعها منظمة ولوحاتها الارشادية واضحة , ومثل اي مدينة اوربية تخترق شوارع المدين قطارات معلقة تربط بين اجزاء العاصمة في حركة هادئة ومحسوبة المواقيت , وتعج المدينة بناطاحات السحاب والمئات من الاسواق والمجمعات التجارية الضخمة والتي لايعرف اولها من اخرها, والخضرة منتشرة في كل مكان والسماء غائمة .
واخيرا وصلنا الفندق وهو فندق الطاؤوس من افخم فنادق المدينة وافترقت عنا مرافقتانا واعتطتنا احداهما رقم تلفون على ان نتصل بهن اذا احتجنا الى اي شيئ او اردنا الخروج فدخلنا الفندق فقد تم الحجز لنا في غرفتين متجاورتين .
وبمجرد دخولي الي غرفتي افرغت ملابسي من الشنطة في الدولاب ولبست جلابية ونمت نوما عميقا, وعندما صحوت فتحت جهاز التلفزيون وجدت المزيع يقول ان هناك نداء هام بعد قليل فترقبوه , وبعد قليل ظهر وزير الدفاع بزيه العسكري فقال في المؤتمر امام وكالات الانباء العالمية فقال (لقد تم اليوم القبض علي بعض الخونة والماجورين والعملاء والمارقين من فلول الارتزاق , لقد تم اليوم القبض علي مجموعة مخربة وضبطت معها كمية من الاسلحة والمتفجرات وبعد التحقيق معهم اعترفوا بانهم قادمون من جمهورية ام طرق دقاق وسوف ندق اعناقهم حتي يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه بالتعدي بلدنا , وقد ظلت جمهورية ام طرق دقاق ومازالت تصدر الينا كل حين مزيد من الفتن والقلاقل وسيكون ردنا عليهم هذه المرة قاسيا جدا وسيعرفون جحمهم الحقيقي ) .
وبعد قليل رن جرس التلفون الموجود في غرفتي فرفعت السماعة , وكانت المتحدثة هي دليلتنا في الرحلة مدلينا فقال سوف يبدا برنامج الرحلة من الغد في الصباح سوف نصحبكم الي متحفنا القومي وفي المساء سوف نذهب الي المسرح القومي لان هذه الايام هناك مهرجان للرقص والغناء والموسيقي الشعبية لدينا.
في الصباح الباكر كنت مع محمد منسوب في غرفته وتبادلنا اطراف الحديث قبل وصول دليلاتنا في الرحلة , في الساعة الثامنة رن جرس التلفون ورفع محمد السماعة فكانت المتحدثة هي لينا تطلب منا ان نستعد للخروج لانهن يسحضرن بعد خمس دقائق لاصطحابنا في الرحلة على ان ننتظرهن تحت عند بوابة الفندق , وبالفعل حضرن في الموعد المحدد مدلينا ولينا الحسناوات الجميلات
أغنيات رقت لحناً ورنينا
مادلينا ولينا
عينانِ رحاب’’ من صحوٍ
وشفاة’’ تزداد جنونا
مادلينا ولينا
الشَّعْرُ خَيالات’’ سكرى
وخُطاها تمطر تلحينا
مادلينا .. مادلينا و لينا .. لينا
فقلت مدلينا اليوم عندنا من الايام التي يحظر فيها مرور المركبات بانواعها في هذا اليوم من الاسبوع لحماية البلد من التلوث وسيكون التنقل عبر القطارات المعلقة او الدراجات , ففضلنا ركوب الدراجات حتى نستمتع باكبر قدر من المناظر الخلابة وسرنا اربعتنا بالدراجات وقد لاخظت ان معظم الاشجار اوراقها كبيرة فقال محمد الان عرفت السر في تسمية البلد بام طرق عراض , وبعد عشرة دقائق وصلنا المتحف القومي وقادتنا لينا لمقابلة مدير المتحف .
ولدهشتي الشديدة وجدت ان مدير المتحف هو الاخ / حسن وراق – وبعد السلام الحار سالني عن اخبار البلد فقلت له كل شيئ على مايرام فسالته عن سر قدومه الى هذا البلد فقال ( لقد ارسلوا لي خصيصا من السودان لادارة المتحف لان عائلتنا عائلة وراق تاريخها مربوط بتاريخ هذا البلد , فقد قدم جدي الكبير الشيخ سعيد بن اسحاق الوراق من الجزيرة العربية الى هذا البلد بغرض نشر الاسلام فيه وعمل وزيرا للسلطان برقوق وهذا مذكور في كتاب ابن بطوطة وعند وفاة السلطان برقوق اوصى ان ينصب جدي حاكما وتوارث جدودي السلطة الى ان جاء الاحتلال البرتقالي بقيادة الفونسو البوريك عام 1511 فقضي على مملكة جدودي وغير اسم البلد من سلطة الوراق الى اسم الواق الواق وقد كانت دولة واحدة ولكن الاستعمار البرتقالي قسمها الي عدة دول متناحرة فيما بينها وقد هاجر احد جدودنا الي السودان اما بقية اهلنا فقد اندمجوا مع السكان الاصليين للجزيرة وصاروا لايتكلمون العربية).
ولاحظت صورة الفنان محمد وردي على واجهة المتحف وفي معظم العملة وسالت الاخ / حسن عن السر باهتماهم بوردي بهذه الصورة , فقال ان هناك اسطور قديمة تقول( ان بلد الواق الواق كانت في قديم الزمن بلد من غير سكان فنزلت بها مجموعة من الطيور المهاجرة ووجدت الغلال كثرا جدا واكلت حتي امتلات بطونها وعندما حاولت الطيران لم تستطيع لثقل بطونها وفي اليوم الثاني والثالث حدث نفس الشيئ واخيرا قرروا ان يستقروا وبمرور الزمن اختفى الريش وصارت الاجنحة ايدي والارجل اقدام وتطوروا حتي صاروا بشرا – والفنان محمد وردي عندما غني اغنية الطير المهاجر احتفلوا به لانه يتحدث عن حقييقة جدودهم الذين هم في الاصل كما يقولون كانوا طيورا مهاجرة