الحــــــــدود
لغة: جمع الحد، والحد هو المنع، والحد: الحاجز بين الشيئين، والحد من كل شىء: طرفه ومنتهاه، وحدود الله: ما حده بأوامره ونواهيه، وحدود الله تعالى: محارمه قال تعالى]تلك حدود الله فلا تعتدوها[ (البقرة 229) وحد الجانى: أقام عليه الحد. كما فى الوسيط( ا).
واصطلاحا: عرفها الشافعية والحنابلة بأنها عقوبة مقدرة على ذنب وجبت حقا لله تعالى كما فى الزنا، وعند بعض الفقهاء: عقوبة مقدرة بتقدير الشارع.
ويطلق لفظ الحد على جرائم الحدود مجازا فيقال: ارتكب الجانى حدا، ويقصد أنه ارتكب جريمة ذات عقوبة مقدرة شرعا (2).
وإقامة الحدود فرض على ولى الأمر، ودليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فمنه قوله تعالى ]والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا[ (المائدة 38) وقوله ]الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة[ (النور 2).
وأما السنة فعن أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى رضى الله عنهما: أن رجلين اختصما إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله. وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لى أن أتكلم. قال: " تكلم " قال: إن ابنى كان عسيفا على هذا- والعسيف الأجير- فزنا بامرأته فأخبرونى أنما على ابنى الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لى ثم إنى سألت أهل العلم فأخبرونى أنما على ابنى جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أما والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد إليك ". وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمى أن يأتى امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها. (رواه أبو داود) (3)
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على وجوب الحدود.
وأما المعقول فهو أن الطباع البشرية والشهوة النفسانية مائلة إلى قضاء الشهوة وتحصيل مقصودها ومحبوبها، فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حتما لهذا الفساد وزجرا عن ارتكابه، ليبقى العالم على نظم الاستقامة، فإن إخلاء العالم عن إقامة الزاجر يؤدى إلى انحرافه، وفيه من الفساد مالا يخفى( 4).
وقد اتفق على أن ما يطبق هو على كل من جريمة: الزنا والسرقة والقذف وقطع الطريق والسكر. وزاد الحنفية حد الشرب للخمر، وزاد المالكية حد الردة، وزاد الشافعية حد القصاص (5).
وقد اتفق الفقهاء على أن ما يوجب الحد من الزنا والسرقة.. إذا وقع على شخص واحد، وشارب الخمر إذا تكرر قبل إقامة الحد أجزأ حد واحد بغير خلاف، وبه قال عطاء وغيره.
والأصل قاعدة: "إذا اجتمع أمران من جنس واحد، ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما فى الآخر غالبا"، وعلى هذا اكتفى بحد واحد، لأن المقصود من إقامة الحد هو الزجر، وأنه يحصل بحد واحد.
ولا خلاف بين جمهور الفقهاء فى أنه لا تجوز الشفاعة فى الحدود بعد وصولها للحاكم وثبوتها عنده، ولأن النبى(صلى الله عليه وسلم) أنكر على أسامة بن زيد حين شفع فى المرأة المخزومية التى سرقت. فعن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله e فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكلمه أسامة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( أتشفع فى حد من حدود الله). ثم قام فاختطب فقال: " أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(6)
وتسقط الحدود فى حالات هى:
(أ) التوبة قبل القدرة عليه، فقد أجمع الفقهاء فى أن حد قطاع الطريق والردة يسقطان بالتوبة إذا تحققت توبة القاطع قبل القدرة عليه لقوله تعالى ]إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم [ ( المائدة 34 ).
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن بقية الحدود بعد رفعها إلى الحاكم لا تسقط بالتوبة (7).
(ب) وتسقط الحدود بالشبهة: لإجماع الفقهاء على أن الحدود تدرأ بالشبهات، والشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت، لقول النبى (صلى الله عليه وسلم) " ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى ا لعقوبة " (رواه الترمذى) (
.
(جـ) بالرجوع عن الإقرار، إذا كان الحد حقا لله تعالى، لما روى أن ماعزا لما أقر بين يدى النبى(صلى الله عليه وسلم) بالزنا لقنه الرجوع، فلو لم يكن محتملا للسقوط بالرجوع ما كان للتلقين فائدة.
(د) يسقط حد الرجم خاصة بموت الشهود- عند الحنفية- الذين يشترطون لإقامة الحد الشهود (9)
(هـ) تكذيب المزنى بها للمقر بالزنا قبل إقامة الحد، وتكذيب المقذوف شهوده على القذف.
ويرى جمهور الفقهاء أن الحد المقدر فى ذنب كفارة لذلك الذنب، وعند الحنفية الحد غير مطهر، بل المطهر التوبة، فإذا حد ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية لقوله تعالى ]ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم[ ( المائدة 33) والحدود تثبت بالبينة أو الإقرار عند استجماع شرائطها واختلف الفقهاء فيما وراء ذلك، كعلم الإمام.
والحدود الشرعية هى:
ا- الجلد، ويجب على الزانى غير المحصن: لقوله تعالى ]الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة[ (النور 2)، ويجب كذلك على القاذف وشارب الخمر.
2- التغريب، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجتمع مع الجلد تغريب الزانى البكر لقوله(صلى الله عليه وسلم): "البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة" (رواه مسلم)
ويرى المالكية أن التغريب ليس واجبا، وليس حدا كالجلد، وإنما هو عقوبة تعزيرية، يجوز للإمام أن يجمع بينه وبين الجلد إن رأى فى ذلك مصلحة (10).
3- القطع، فلا خلاف بين الفقهاء أن السرقة موجبة للقطع، لقوله تعالى ]والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله [ (المائدة 38) ولقوله (صلى الله عليه وسلم) : "تقطع اليد فى ربع دينار فصاعدا " (رواه البخارى ومسلم) وكذلك يقطع المحارب من خلاف إذا أخذ المال- ولم يقتل عند الحنفية والشافعية والحنابلة.
4- القتل والصلب، وذلك إذا قتل المحارب وأخذ المال لقوله تعالى ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا[ (الما ئد ة 33).
ويراعى فى إقامة الحدود:
(أ) لا يقيم الحد إلا الإمام، ونائبه، وذلك لمصلحة العباد.
(ب) أهلية الشهود عند الإقامة، فلو بطلت أهلية الشهود بالفسق أو الردة أو غيرها لا يقام الحد.
(جـ) البداية من الشهود فى حد رجم الزانى عند أبى حنيفة ومحمد، لما روى عن على t
ترجم الشهود أولا ثم الإمام ثم الناس ).
(د) ويشترط أن لا يكون فى إقامة حد الجلد خوف الهلاك، لأن الجلد شرع زجرا لا مهلكا.
(هـ) يقام الحد على السكران متى انتبه من سكره، لأن المقصود هو الزجر والردع،وغياب العقل والنشوة يخففان الألم.
(و) لا تقام الحدود فى المساجد لقول النبى(صلى الله عليه وسلم):"لا تقام الحدود فى ا لمسا جد"(رواه الترمذى).
(ز) تقام الحدود فى ملأ من الناس لقوله تعالى ]وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [ (النور 2)
(هيئة التحرير)
المراجع
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 1/167 دار المعارف ط3 القاهرة
2- فتح القدير 4/113 البدائع 7/ 56، بداية المجتهد3/0 33 التعريفات ، للجرجانى ص 74.
3- سنن أبى داود- كتاب الحدود باب 34.
4- حاشية ابن عابدين3/0 14
5- كشاف القناع 6/77 وما بعدها، والمغنى، لابن قدامة 8/156 وما بعدها
6- صحيح مسلم- كتاب الحدود باب 2.
7- حاشية ابن عابدين3/0 4 1 الشرح الصغير 4/489، القوانين الفقهية لابن جزى ص4 35، المغنى ، لابن قدامة 8/296 وما بعدها.
8- سنن الترمذى 4/33 طبعة الحلبى.
9- بدائع الصنائع 7/ 61 وما بعدها.
10- حاشية ابن عابدين 2/147 وما بعدها.