جهاد الخازن.. ومخزون السماد الطالح.
محمد عبد الله برقاوي...
علي خلفية مقاله الذي اعادت نشره الراكوبة في عدد الجمعة 27/5/2011 لنا وقفة..مع الكاتب الكبير الأستاذ / جهاد الخازن الذي تناول في جرأة قد يعتبرها المحافظون في عالمنا الاسلامي من قبيل الصياعة و الوقاحة القلمية ..فيما لو احسن الظن فيه من هم أشد الناس زندقة فانهم سيتحفظون عن وصفها بالشجاعة ..أو الصراحة.. بالطبع لسنا في موقع مقارعة الأستاذ من حيث المهنية الصحفية التي عاركها ربما نصف قرن من الزمان..بيد ان استغرابنا لتفجيره مثل هذه المواضيع الحساسة يجعلنا نتساءل عن الدافع من حيث ضرورة اثارتها والتوقيت..وهو ما يدفعنا للخوض في الموضوع ليس من زاوية الدفاع عن خلفائنا الراشدين الذين دافع عنهم القرآن المنزه وساروا علي نهج السنة المحمدية واصطفاهم النبي لمواصلة المشواروعلي خطاه الطاهرة من بعده في المحجة البيضاء.. ربما يختلف الكثيرون من دعاة قيام الدولة المدنية في عالمنا العربي والاسلامي أو من يسمون بالعلمانيين ..مع دعاة قيام الدولة الاسلامية التي يتفاوتون في رسم صورتها ..من حيث حد القناعات الادني بقبولها كيانا ديمقراطيا تعدديا ينطلق من ورقة الاقتراع من خلال صناديق الانتخابات مثلما تنادت الجماعات الاسلامية في كل من تونس ومصر بعد نجاح ثورتيهما..في محاولة للحاق بالنموذج التركي والماليزي و الاندنونيسي ومرورا بانظمة اسلامية تتخذ من الديمقراطية شكلا هلاميا يقود في النهاية الي كيان ثيوقراطي متشدد في خلط السياسة بالدين عبر ولاية الفقيه كما في النظام الايراني ..أو تعاطيا مع الديمقراطية كوسيلة وليست غاية لفرض هيمنة كيان واحد ذي رؤية شمولية جامدة واقصائية مثلما هو نمط الحكم الحالي في السودان.. ولعل السقف الذي فشل من حيث الوسائل والغايات فكرا وتطبيقا وخروجا عن الزمن والذي يمثل ذروة التنطع في العودة بشكل الدولة الي مسخ مشوه لوجهها الاسلامي تلك التجربة التي اختطها تلاميذ المدارس الاسلامية المتزمتة في افغانستان ابان حكم الطالبان المسنود من الفكر القاعدي الذي يرتكن الي تطبيق فريضة الجهاد في ايجاد و ارساء دعائم الحكم الاسلامي بالصورة السلفية التي تشتت فيها السلاح مابين استعداء الانظمة الحاكمة في كثير من دول المنطقة العربية والاسلامية وما بين مصادمة الدول الكبري غير الاسلامية بالقدر الذي اطال مشوار تلك التنظيمات ولايبدو في الافق مخرجا لها لتحقيق حلمها علي المدي القريب في ظل التوازنات الدولية التي تستنفر القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية والالة الاعلامية الحديثة لمحاربة تلك التوجهات من باب تصنيفها كقوة ارهابية تسبح خارج موجة الحداثة.. وهو خيط التقتطه بعض الكيانات الاسلامية السلفية لتنسج منه صورة لشكل مختلف للجهاد في قالب مدني يدعو لاعادة سيرة الخلافة الاسلامية كما كانت متسيدة للعالم فكرا وقوة وحضارة وعلوما اختطف قفازها الذي سقط بسقوط تلك الخلافة الدولة ..علماء وفلاسفة الغرب ..فانشأوا بها حضارتهم الحديثة فيما ضعف المسلمون بعد ان تناثر شعثهم في ظل التقسيمات التي اعادت خريطة العالم بعد الحربين الكونيتين ..وفق اتفاقات ومؤتمرات سايس بيكو وفرساي.. ولعل الدعوة الي اعادة الخلافة ولو بالوسائل الجهادية المدنية طويلة النفس والمشوار لو اتبعت اسلوب التنادي لها بالحسني لم تعجب استاذنا الصحفي الكبير جهاد الخازن فافرغ مخزونه من تقييمه غير الموفق لما ادعي انه الجانب المسكوت عنه في اخفاقات تاريخ الخلافات الاسلامية التي قال انه لا يعتقد بان فيها من النموذج الأمثل تطبيقا وهيمنة واتساعا للدولة الاسلامية الحقة الا حقبة يسيرة في عهد الخليفة الراشد ابوبكر الصديق حددها بسنتين أما ما بعد ذلك او دونه وعلي حد تعبيره فلا يقرأ من تاريخ بقية الخلفاء الراشدين أو دولة الامويين والعباسين وحتي سقوط الاندلس وتفكك الخلافة العثمانية اية سطور تلفت النظر او تشجع علي اعادة فكرة الخلافة في اي شكل من الأشكال في ظل عالم يهفو الي الحداثة والديمقراطية انطلاقا من دولة مدنية تراعي حقوق الانسان وتحقق العدالة والتنمية في عالم حديث او كما فهمنا من مضمون مقاله.. ذاك... وهو لا شك راي فيه خلط وتداخل ما بين اسلوب الخلافةالاسلامية في صدر الاسلام وتحديدا في عهد الخلفاء الراشدين وبين ما أصاب الدولة والخلافة فيما بعد من ضعف و تفكك ادي عبر التاريخ الطويل الي مآل المسلمين في شكله المعاصر رغم ما توفرت لتلك الحقب وحكامها من الخلفاء من ظروف وامكانات لو انها وظفت كلها أو جلها لخدمة المسلمين وتوجيه دفة الوعي ونشر العلوم وتوسيع مواعين الشوري والمشاركة لتغير حال الدولة الاسلامية علي غير ماهي عليه ..كما نري.. وطبعا نحن ايضا لسنا نختلف معه في الجزئية الخاصة باهمية حداثة الدولة في عالمنا الاسلامي المعاصرومدنيتها في ظل عالم بات منداحا نحو بعضه في عولمة تزحف فوق خطوط الحدود في تداخل انسانه وجغرافيته وان اتسم يصراع قد يمس الحضارات والثقافات..والمصالح ولكن ذلك ليس بالضرورة أن يغذي باسمدة سامة من مخزون الفكر الاستفزازي لمشاعر المسلمين بتقزيم تجربة الرموز الكبيرة في حياتنهم كالخلفاء الراشدين الذين يستمدون قدسيتهم وطهرهم من اصطفاء الله لهم كصحب لرسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوي. فنبش التاريخ من مخزون أعداء الاسلام التاريخي المغلوط وذي الغرض الفاسد بالطبع لن يزيد المسلمين الا ايمانا باولئك المبجلين في الكتاب والسنة .. نعم نحن علمانيون .. ولكنا في النهاية مسلمين كابرا عن كابر ..ولئن كنا ندعو لقيام الدولة الديمقراطية المدنية العصرية فليس ذلك من خلال تشويه تاريخنا الاسلامي .. وان خلافنا مع المتنطعين الذين يدعون لعودة الخلافة بالسيف ليس معناه اننا ضد الاسلام كدين وكتاريخ ..ارسي رموزه من الخلفاء الراشدين كسيدنا عمر بن الخطاب و من خلفهم من بناة العدل كالخليفة عمر بن عبد العزيز علي سبيل المثال لا الحصر ..نهجا لو ان كل الذين يرفعون شعارات الدعوة لقيام الدولة او الخلافة قد طبقوها احياء لتلك الامثلة النيرة لكنا أو ل الداعين معهم.. ولقلنا لهم ان تأكدنا من صدق نواياهم .. تعالوا لنأتي بكل جميل ومفيد من ذلك الزمان ونجعله يتماشي مع زماننا لينسجم مع الهدف الاساسي لديننا الحنيف الذي ينبغي ان نتحرك به مع الزمن ..لا ان نعود به الي زمان لن يتأتي لا في طهره ولامعطياته ولا أهله..مما يستوجب ان نعيش عهدنا وفقا لما هو مكتوب لنا من أقدار التعايش مع الاخرين .. نبني مستقبلنا ..فنؤثر ونتأثر دون ان يستبلنا الاخرون ويجعلوننا نتبرأ من تاريخنا ..مثلما أراد لنا جهاد الخازن بنبش مخزونه من السماد الفاسد الذي سعى لأن ينبت به فكرة ..ليس هذا آوان غرسها..والشارع المسلم يهتف باسقاط النظام وليس رفض الاسلام في مطلقه ان هو تمازج مع السياسة من منظور عصري وحضاري لتحقيق العدل والمساواة بين المسلمين وبسط الشوري وفق الاليات التي يقبلها الواقع ولا يعزلها شكلاومضمونا وممارسة وتواصلا عمن حولنا من دول المنظومة الدولية في ندية دون تنازلات ولا تبعية..وشتان بين المسألتين..وعلي غير ما نراه من خطل التجارب المنفرة التي أفرغت فكرة العودة لحكم الاسلام وشريعته من مضمونها واحالتها الي اسلام سياسي هو في حقيقته متاجرة بالدين ..تحسب علي الاسلام بكل اسف وليس له ..مما سيؤجل التجربة لسنوات عديدة ولا يلغيها البتة.. حتي يستقيم العود..في حقلنا الذاتي فيعتدل من بعد ذلك الظل الذي يمكن ان ينداح بعيدا ليتفيأ ه الاخرون من الذين نقنعهم بسلوكنا وتمسكنا بعيقدتنا نهجا وأسلوب حياة نستلهمها من طهر تجربة الاولين من خلفائنا الراشدين رضي الله عنهم المنزهين ..
خطرفات مقال الاستاذ جها دالمارق هداه الله....وهدانا جميعا..انه المستعان ..وهو من وراء القصد..
(أسحب مقالتي... وأعتذر).
جهاد الخازن ..
أثار مقالي يوم الإثنين الماضي عن الخلافة في الإسلام عاصفة من النقد لم تهدأ بعد، ولن أركب رأسي وأقول إنني مصيب والناس على خطأ، بل أقول إنني أخطأت وأسحب المقال، وأرجو من القراء أن يعتبروا انه لم ينشر، لأنني سأخرجه من مجموعة مقالاتي وأتلفه. هذه أول مرة في حياتي أسحب مقالاً، بل انني قبل مقال الإثنين لم أسحب سطراً واحداً في مقال أو أعتذر عنه، فأنا حذر جداً، إلا أن الحذِر يؤتى من مكمنه، والمقال كُتب الأحد، وهو يوم إجازة في لندن، وليس عندي الباحثون الذين أعتمد عليهم عادة في مراجعة المادة والتحقق من صحة النقل. ثم ان الموضوع كان واسعاً، وبحجم تاريخ من 1432 سنة، وما كان يجب أن أختصر الفكرة في عجالة صحافية لتصبح سطور المقال من نوع عناوين بأقل قدر من الشرح، أو من دون شرح. ولعل خطأي الآخر انني نسيت ان كل مقال كيانٌ قائم بذاته، وأنا ربطت مقال الإثنين بألف مقال سابق لي، إلا ان القارئ ليس في رأسي ليجمع بين مقال الإثنين وما كتبتُ قبل أسبوع أو شهر أو سنة أو عشر. ولعل حديثي عن عمر بن الخطاب يشرح هذه النقطة فقد قلت انه كان عادلاً جداً وشديداً، معتمداً على حجتين: الأولى انني سجلت عدل رجل وصفه رسول الله بأنه عبقري، وأن الفاروق عمر نفسه كان يعرف شهرته في الشدة، وقد قال عن نفسه بعد أن خلف أبا بكر: بلغني أن الناس هابوا شدّتي وخافوا غَلَظتي، والثانية انني سبق أن كتبت مرتين عن العهدة العمرية لسكان القدس، وقلت في هذه الزاوية ان العهدة أفضل من ميثاق جنيف الرابع لحماية الأسرى في زمن الحرب. مع ذلك، وبالنظر الى الضجة التالية، أجد أنني أخطأت، فقد كان يجب أن أشرح انني أنقل عن عمر بن الخطاب نفسه ما قال عن شدّته وغلظته، كما كان يجب أن أدرك ان القارئ يوم الإثنين لن يتذكر ما كتبت عن الحجة العمرية قبل سنة أو اثنتين، وأن يعتمده خلفية لمقالي الأخير. درست الدين الإسلامي في الجامعة الأميركية في بيروت، وأكملت ببعض المادة في جامعة جورجتاون، وعدت الى دراسته مع ابني عندما درس التاريخ الإسلامي في جامعة أكسفورد. وكان من حسن حظي أنني أجريت دراسات مقارنة للأديان التوحيدية، وعندما اشتدت حملة الأعداء على الإسلام والمسلمين استطعت ان أستعين بمادة من التوراة، وكتبت في هذه الزاوية ان الذي دينه اليهودية لا يستطيع أن ينتقد أي دين آخر، وأبرزت شواهد من التوراة عن إبادة جنس وجرائم حرب وزانيات، لأُدين إسرائيل من فمها، واليوم عندي حوالى 400 مقال دفاعاً عن الإسلام وهجوماً على أعدائه سأنشرها في كتاب بعد الصيف. ولم يقتصر جهدي على الدراسة، فقد شاركت عملياً في حوار الإسلام والغرب مع الأمير تشارلز والأمير الحسن عندما كان وليَّ عهد الأردن، ثم مع الأمير تركي الفيصل وبعده الأميرة لولوة الفيصل وأسقف كانتربري اللورد كاري، فكنت عضواً مؤسساً في حوار الإسلام والغرب عبر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وبعد ارهاب 11/9/2001 بشهرين ذهبنا الى نيويورك للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإفهام الأميركيين ان الإسلام براء من الفئة الضالة. أسجل هذا ليعرف القارئ انني لست دخيلاً على الموضوع، فمعرفتي أكاديمية وجهدي عملي، وقد تعرضت لمحاولات ليكودية لتحويلي الى المحكمة بتهمة اللاسامية فشلت، لأنني أعرف حدود القانون في بريطانيا. كان بين أساتذتي في الجامعة في بيروت البروفسور يوسف إبيش، وقد كتبت له دراستين عن الفاروق عمر، وقصتي المفضلة عن عدله تعود الى يوم رأى شيخاً ضريراً يسأل على باب، فلما علم أنه يهودي قال له: ما ألجأك الى هذا؟ قال اليهودي: اسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر بيده وذهب به الى بيته، وأعطاه ما يكفيه ساعتها، وأرسل الى خازن بيت المال يقول: انظر هذا وضرباءَه، فوالله ما أنصفناه ان أكلنا شبيبته ثم نخذله في الهرم. انما الصدقات للفقراء والمساكين، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب. ووَضَع الجزية عنه. وأعود الى ما بدأت به وأقبل حكم القراء على مقال الإثنين، وأرجو من الجميع ألاّ يروّجوا له بتبادله ونشره، وقد أسقطته من ملفي الخاص، وأرجو أن تمضي أربعون سنة أخرى قبل أن أحذف مقالاً أو سطراً في مقال. دار الحياة