تأليف/رضا الهجرسى
جبلاية
..........
خرجت خالته من غرفة أمه لتعلن له أنتهاء مراسم تغسيل و تكفين جسدها..طلبت منه البدء فى جنازتها ..أرتمى فى أحضانها باكيا..
أخذت تربت على ظهره..وتذكره أنه رجل سلطة والأعين تراقبه ..
جفف دمعه عندما طلب منه محامى أمه الأنفراد به فى أمرعاجل
لا يحتمل التأجيل ..وصية أمه قبل موتها ..
بُهت عندما علم أن أمه توصيه أن تسيرفى مقدمة جنازتها ..جبلاية ..
وأن يرسل لها ولأبنتها أنهار مبلغ شهرى قدرة ..
أنفصل بكيانه وعقله وأرتد بذاكرته أربعون عاما عند سماعه إسم أنهار
كان يلعب الكرة الشراب مع أقرانه بالحارة ..يختلس النظرات إليها وهى تقفز على قدم واحدة تدفع حجرا ..
وكيوبيد يغرس سهمه فى قلبه أكثر فأكثر مع كل قفزة ..
غمرته فرحة غامرة يوم أرسلته أمه إلى منزل جبلاية..
تطلب حضورها بعد العشاء للذهاب لواجب عزاء ..
طار فرحا لا تهمه رسالة أمه..ما يشغل قلبه وفكره وكيانه ملاكه الطاهر..أنهار بنت جبلاية ..
يدخل منزلها المتهالك الذى كان يمر أمامه فتتسارع دقات قلبه بقوة وينفذ سهم كيوبيد إلى أعماق قلبه أكثر فأكثر ..
كاد أن يغشى عليه وأحمر وجهه خجلا عندما فتحت له ..
شعر بالأرض تميد تحت قدميه ..حدق فى وجهها الملائكى ذات الملامح الرقيقة ..سمع صوت البلابل والعصافير تزقزق من حوله ..
أيقظه صوتها الأجش من حلمه الجميل..وهى تسأله عن بغيته ..
أنقذته جبلاية بظهورها وتلقيها رساله أمه ..وجوابها ..
طلبت منه أن يبلغ أمه أن لديها عمل تنهية ثم تحضر إليها ..
ترامى إلى أذنيه صوت جبلاية تطلب من أنهار أن تستعد للمغادرة ..
هنا أطلق ساقيه للريح ليبلغ أمه الرد ..ثم عاد مسرعا إلى بيت جبلاية حتى يملى ناظريه بطلعة محبوبته أنهار ..وهى تغادر مع أمها ..
سار خلفهما متخفيا ..حتى وصلا إلى إحدى الحوارى القريبة ..
لمح على البعد صوان عزاء يتم نصبه..والنسوة يقفن متفرقات..
تجمعن حين رأين جبلاية تهل عليهن من بعيد ..
صرخن ينبهن بعضهن أن جبلاية قد وصلت وهرولن لإستقبالها ..
هنا أسقطت جبلاية طرحتها على كتفيها..آخذة فى الندب والعويل والصراخ والنحيب ..والنسوة تردد نواحها وهن يتجمعن خلفها ..
كمطرب والكورس من خلفه ..
سار النعش ومن خلفه جبلاية تردد عويلها الملحن ..ترددة النسوة دون
تغيير أو تبديل لكلماته أولحنه..تقترب أحدى النسوة وتنقدها بعض المال وتهمس فى أذنها..فترفع جاعورتها إلى أعلى طبقات صوتها الجهورى طالبة من الميت أن يبلغ الحاج ضرغام أن يأتى لزوجته فى المنام ..وأخرى تبلغ رسالة لأختها..أو إبنها ..كانت الفاجعة أعظم من أن يتحملها قلبه الغض ..أم محبوبته تعمل معددة مآتم ..
قرر أن ينقذ ملاكه الطاهر من بين براثن جبلاية ..
واجه أبيه فى عزم وأصرار طالبا منه أن يزوجه أنهار لينقذها من هذا
الغول القبيح جبلايه..قرر أبيه على الفور ترك الحارة أنقاذا لمستقبل ولده الوحيد ..ظل سهم كيوبيد مغروزا فى أعماق قلبه ..
تنبه عائدا من ذكرياته على صوت عويل وندب وصراخ آتيا من باب الفيلا..متجها للبهو دون أنقطاع معددا مزايا المرحومة..قامت خالته بدور الكورس بصوتها الضعيف ..تردد خلفها و تولول معها على أختها ..يقترب العويل والندب والنواح من باب مكتبه..
وقف مذهولا فاغرا فاهه وهو يرى أنهار كنسخة أصلية من أمها
جاءت لتنفيذ وصية أمه وتقود الجنازة بدلا من أمها المريضة ..
جبلاية ..
( النهاية)